للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو كَان هَذا القَول مِمَّنْ تأوَّلَه في مَعْنَى "الوَجْه" في آيةٍ مَا، لَقِيل: القُرآن حَمَّال أوْجه، أمَّا أن يَكُون التَّأويل تَحَاشِيًا لإثْبَات الصِّفَة، فهذا لم يَكن مِنْ شَأن سَلَف هذه الأمَّة.

كَمَا تأوَّل صِفة "العَيْن" تَبَعًا لابن عطية. حيث يَقول القرطبي في تَفْسِير قَولِه تَعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) [هود: ٣٧]: (بِأَعْيُنِنَا) أي: بِمَرْأى مِنَّا وحَيث نَرَاك.

وقال الربيع بن أنس: بِحِفْظِنا إياك حِفْظ مَنْ يَرَاك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بِحِرَاسَتَنا؛ والْمَعْنَى وَاحِد، فَعَبَّر عن الرُّؤية بالأعْين؛ لأنَّ الرُّؤيَة تَكُون بِهَا، ويَكُون جَمْع الأعْيُن للعَظَمَة لا للتَّكْثِير، كَمَا قَال تَعالى: (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات: ٢٣]، (فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) [الذاريات: ٤٨]، (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: ٤٧]. وقد يَرْجِع مَعْنَى الأعْيُن في هَذه الآيَة وغَيرها إلى مَعْنَى عَيْن، كَمَا قَال: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه: ٣٩]، وذَلك كُلّه عِبَارَة عن الإدْرَاك والإحَاطَة، وهو سُبْحَانه مُنَزَّه عن الْحَواسّ والتَّشْبِيه والتَّكْيِيف، لا رَبّ غَيره (١).

وقَال في قَوله تَعالى: (أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: ٤٦]: عِبَارَة عن الإدْرَاك الذي لا تَخْفَى مَعه خَافية، تَبَارَك الله رَبّ العَالَمِين (٢).

وقال القرطبي في تَفْسِير قَوله تَعالى: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور: ٤٨]: أي: بِمَرْأى ومَنْظَر مِنَّا؛ نَرَى ونَسْمَع مَا تَقُول وتَفْعَل. وقِيل: بِحَيث نَرَاك ونَحْفَظُك ونَحُوطُك ونَحْرُسُك ونَرْعَاك، والْمَعْنَى وَاحِد. ومِنه قَوله تَعالى لِمُوسَى عليه السلام: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه: ٣٩]، أي: بِحِفْظِي وحِرَاسَتِي (٣).


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٩/ ٢٨، ٢٩) وقارن بـ "المحرر الوجيز" مرجع سابق (٣/ ١٦٩، ٥١٠).
(٢) المرجع السابق (١١/ ١٨٤)، وقارن بـ "المحرر الوجيز" مرجع سابق (٤/ ٤٦).
(٣) المرجع السابق (١٧/ ٦٩) وقارن بـ "المحرر الوجيز" مرجع سابق (٥/ ١٩٤).

<<  <   >  >>