فَعَلى هذا لا إشْكَال عند ابن جرير أصْلًا في حَشْر الكُفَّار عُمْيًا؛ لأنه ليس عَمَى أبْصَار، وإن كان جَوَّز كَوْن العَمَى والبَكم والصَّمَم يَكُون صِفَتهم في حَال حَشْرِهم إلى مَوقِف القِيَامَة، ثم يُجْعَل لهم أسْمَاع وأبْصَار ومَنْطِق في أحْوال أُخَر غير حَال الْحَشْر".
وفي مَعنى الْعَمَى والْبَكَم والصَّمَم - في آية الإسراء - ذَكَر ابن الجوزي قَوْلين:
أحَدهما: عُمْيًا لا يَرَون شَيئًا يَسُرُّهم، وبُكْمًا لا يَنْطِقُون بِحُجَّة، وصُمًّا لا يَسْمَعُون شَيئًا يَسُرُّهم قاله ابن عباس. وقال في رواية: عُمْيًا عن النَّظَر إلى مَا جَعَل لأوْلِيائه، وبُكْمًا عن مُخَاطَبة الله، وصُمًّا عَمَّا مَدَح به أوْلِياءَه؛ وهذا قَوْل الأكْثَرِين.
والثَّاني: أنَّ هذا الْحَشْر في بَعْض أحْوَال القِيَامَة بعد الْحَشْر الأوَّل (١).
وفي معْنى "أعْمَى" في قَولِه تَعَالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى) ذَكَر ابن الجوزي خَمْسَة أقْوَال:
أحَدُها: مَنْ كان في الدُّنيا أعْمَى عن مَعْرِفَة قُدْرَة الله في خَلْق الأشْيَاء، فهو عَمَّا وُصِف له في الآخرة أعْمَى.
والثَّاني: مَنْ كَان في الدُّنيا أعْمَى بِالكُفْر، فهو في الآخِرَة أعْمَى؛ لأنَّه في الدُّنيا تُقْبَل تَوبَته، وفي الآخِرَة لا تُقْبَل.
والثَّالث: مَنْ عَمِي عن آيَات الله في الدُّنيا، فهو عن الذِي غُيِّب عنه مِنْ أمُور الآخِرَة أشَدّ عَمى.
والرَّابع: مَنْ عَمِي عن نِعَم الله التي بَيَّنَها في قَوله: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ)[الإسراء: ٦٦] إلى قَوله: (تَفْضِيلًا)[الإسراء: ٧٠]؛ فَهو في الآخِرَة أعْمَى عن رَشَادِه وصَلاحِه.