الْمَنْصِبِ الشَّرْعِيِّ الْعَظِيمِ بِالْوُقُوفِ بِهِ عَلَى أَبْوَابِ الظَّلَمَةِ وَمُعَايَنَةِ مَا الْعِلْمُ الَّذِي عِنْدَهُ يُحَرِّمُهُ وَيَأْمُرُ بِتَغْيِيرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨] فَجَعَلَ الْعُلَمَاءَ فِي ثَانِي دَرَجَةٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَفِي ثَالِثِ مَرْتَبَةٍ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْعَظِيمِ وَالسَّعَادَةِ الْعَظِيمَةِ كَيْفَ وَقَعَ وَنَزَلَ بِهِ هَذَا النَّاقِدُ الْمِسْكِينُ الْمُتَشَبِّهُ بِالْعُلَمَاءِ الدَّخِيلُ فِيهِمْ تَسَمَّى بِاسْمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ فَنَزَلَ بِهِ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ؟ لَكِنَّ الْعِلْمَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّمَا نَزَّلَ نَفْسَهُ وَبَخَسَهَا حَظَّهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْعِلْمِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ تَرَكَ عِلْمَهُ عَلَى رَأْسِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ يُوَبِّخُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ وَيَكُونُ سَبَبًا لِإِهْلَاكِهِ.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ لَهُ قَالَ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اُسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا قَالَ: قَاتَلْت فِيك حَتَّى اُسْتُشْهِدْت قَالَ: كَذَبْت وَلَكِنَّك قَاتَلْت لِيُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ: ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا قَالَ: تَعَلَّمْت الْعِلْمَ وَعَلَّمْته وَقَرَأْت فِيك الْقُرْآنَ قَالَ: كَذَبْت، وَلَكِنَّك تَعَلَّمْت الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْت الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا قَالَ: مَا تَرَكْت مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلَّا أَنْفَقْت فِيهَا لَك قَالَ: كَذَبْت وَلَكِنَّك فَعَلْت لِيُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ «ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute