للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْعَدَمِ إذْ قِيلَ: إنَّهَا سُمٌّ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْك أَنْ تَفِرَّ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ مَنْ شَمَّرَ عَنْ سَاعِدَيْهِ، وَبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَيَا سَعَادَتُهُ إنْ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قِيلَ:

وَإِذَا صَفَا لَك مِنْ زَمَانِك وَاحِدٌ ... فَهُوَ الْمُرَادُ وَأَيْنَ ذَاكَ الْوَاحِدُ

فَإِنْ عَدِمَهُمَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ وَالِاعْتِزَالُ إنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ إذْ إنَّ الِاجْتِمَاعَ بِالنَّاسِ إنَّمَا يَحْتَاجُهُ الْمُرِيدُ لِلزِّيَادَةِ لَا لِلنَّقْصِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ إلَّا النَّقْصُ فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ جَهْدَهُ، وَيَسْتَعِينُ بِرَبِّهِ مَعَ سَلَامَةِ صَدْرِهِ لَهُمْ، وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِمْ عُمُومًا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

(فَصْلٌ) : مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ، وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، وَالتَّوَدُّدِ، وَذَلِكَ يَقَعُ مِنْهُ عَلَى وُجُوهٍ: فَإِذَا نَظَرَ إلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ بِفَقْرِهِمْ، وَإِذَا أَحْسَنَ الظَّنَّ بِهِمْ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ السَّلَامَةِ لَهُمْ بِالْمَيْلِ إلَى حِزْبِ الْفَائِزِينَ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَذَى مِنْهُمْ فَسَبِيلُهُ الرَّحْمَةُ لَهُمْ، وَإِذَا جَازَى عَلَى السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ فَسَبِيلُهُ التَّخَلُّقُ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَإِذَا رَاعَى حَقَّ كُلِّ ذِي حَقٍّ، وَإِنْ صَغُرَ فَسَبِيلُهُ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ الشَّاكِرِينَ، وَإِذَا تَنَاسَى الشَّرَّ جُمْلَةً فَسَبِيلُهُ تَطْهِيرُ الْقَلْبِ مِنْ دَنَسِ هَوَاجِسِ النُّفُوسِ فِي حَقِّ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا عَامَلَهُمْ بِالسَّخَاءِ فَسَبِيلُهُ الْبُعْدُ مِنْ صِفَةِ الْبُخْلِ، وَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ، وَالْيَقِينِ بِالْخَلَفِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يَطْلُبَ الْخَلَفَ الْفَانِي إذْ إنَّ كُلَّ مَا جَاءَهُ مِنْ الدُّنْيَا فَهُوَ ذَاهِبٌ فَانٍ، وَإِذَا عَامَلَهُمْ بِرَفْعِ الْأَذَى عَنْهُمْ جُمْلَةً فَسَبِيلُهُ عَدَمُ الْفَرَاغِ وَالِاشْتِغَالُ بِوَظَائِفِ التَّكْلِيفِ، وَإِذَا عَامَلَهُمْ بِرُؤْيَةِ الْحُسْنِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّعَامِي عَنْ الْقَبِيحِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَسَبِيلُهُ الْغَيْرَةُ فِي مُشَاهَدَةِ الْمَحَاسِنِ، وَالِاشْتِغَالُ عَنْ الْقَبَائِحِ بِعُيُوبِ النَّفْسِ مَعَ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ، وَإِذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ فَسَبِيلُهُ إجْلَالُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ.

وَإِذَا تَوَاضَعَ لِلْخَلْقِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>