مِنْ تَقَضِّي أَوْقَاتِهِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ. قَالَ سَيِّدِي أَبُو مَدْيَنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُمْرُك نَفَسٌ وَاحِدٌ فَاحْرِصْ أَنْ يَكُونَ لَك لَا عَلَيْك؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ فِيمَا مَضَى هُوَ بَابُ نَدْبِ الْأَطْلَالِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفِكْرُ فِيمَا يَأْتِي ادِّعَاءُ النُّفُوسِ تَحْصِيلَ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَا يَبْرُزُ مِنْ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ، وَالتَّقْدِيرَاتِ الْمُغَيَّبَاتِ عَنَّا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ
[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]
.: (فَصْلٌ) : وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَإِلَى لُطْفِهِ بِهِ، وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: ٧] بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرِيدَ يُصْبِحُ عَلَيْهِ الصَّبَاحُ فَيَنْهَضُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَيَذْكُرُ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ عِلْمٍ فَيَفْهَمُ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى مَنْ يَعْتَقِدُهُ فَيَتَكَلَّمُ مَعَهُ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْخَيْرِ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ فُتِحَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوْرَادِ اللَّيْلِ أَوْ أَوْرَادِ الصَّوْمِ فَبَخٍ عَلَى بَخٍ فَإِنْ قَيَّدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِالشُّكْرِ زَادَتْ أَوْ تَمَادَتْ، وَإِنْ رَأَى، وَهُوَ الْغَالِبُ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَا شَيْءَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَهَذَا يُخَافُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: ٧] ، وَالْكُفْرُ عَامٌّ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَمْرِ النِّسَاءِ: «إنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ» ، وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: بَابُ كُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْفُلُ عَنْ هَذِهِ النِّعَمِ فَلَا يُقَيِّدُهَا بِالشُّكْرِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّهَا فَتَذْهَبُ عَنْهُ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا كُلِّهِ جَهْدَهُ، وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ الصِّدِّيقِينَ لَا يَكُونُونَ فِي يَوْمِهِمْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَالُهُمْ بِالْأَمْسِ، بَلْ يَزْدَادُونَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي - تَرَقِّيًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كُلُّ يَوْمٍ لَا أَتَّخِذُ فِيهِ بِرًّا أَوْ قَالَتْ: لَا أَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا لَا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا جَاءَهُ الْيَوْمُ الثَّانِي فَلَا بُدَّ لَهُ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَتَوَابِعِهَا، وَمَا يَتَلَقَّاهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّرْغِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute