بِقَوْلِهِ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: ٣٠] الْآيَةَ
[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]
(فَصْلٌ) : وَأَمَّا الدُّفُّ، وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ، وَكَشْفُ الرَّأْسِ، وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ فَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ أَنَّهُ لَعِبٌ، وَسُخْفٌ، وَنَبْذٌ لِلْمُرُوءَةِ، وَالْوَقَارِ، وَلِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَالصَّالِحُونَ رَوَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ مَجْلِسُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسَ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ، وَصَبْرٍ، وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرُمُ، يَتَوَاصَوْنَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيِّنَ الْجَانِبِ سَهْلَ الْخُلُقِ دَائِمَ الْبِشْرِ لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ يَعْنِي يَسْكُتُونَ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ، وَالطَّيْرُ لَا يَسْقُطُ إلَّا عَلَى سَاكِنٍ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاعِ وَالرَّقْصِ شَيْءٌ يُذَمُّ إلَّا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَعَلُوا يُغَنُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُصَفِّقُونَ، وَيَرْقُصُونَ فَبَقِيَ حَالُهُمْ كَذَلِكَ إلَى أَنْ جَاءَهُمْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَوَقَعَ مِنْ قِصَّتِهِمْ مَا قَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَهُمْ أَصْلٌ لِمَا ذُكِرَ، وَمَا كَانَ هَذَا أَصْلُهُ فَيَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ، وَيُوَلِّي الظَّهْرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَغْيِيرِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» قَالَ: الْإِمَامُ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute