مِنْ هَذِهِ الْخَصْلَةِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي الْغَالِبِ، وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَأَى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ، وَأَتَى أَهْلَهُ جَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَآهَا، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الزِّنَا لِمَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ أَخَذَ كُوزًا يَشْرَبُ مِنْهُ الْمَاءَ فَصَوَّرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَنَّهُ خَمْرٌ يَشْرَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يَصِيرُ عَلَيْهِ حَرَامًا، وَهَذَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى حَتَّى لَقَدْ قَالَ لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: إنَّهُ اسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فَأَفْتَى بِأَنْ قَالَ: إذَا جَعَلَ مَنْ رَآهَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ عِنْدَ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنْ قَالَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَانَ دِينَهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى وُجُودِ الْجَهْلِ وَالْجُهَّلِ بِالْجَهْلِ، وَمَا ذُكِرَ لَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ وَحْدَهُ بَلْ الْمَرْأَةُ دَاخِلَةٌ فِيهِ بَلْ هِيَ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الْخُرُوجُ أَوْ النَّظَرُ مِنْ الطَّاقِ فَإِذَا رَأَتْ مَنْ يُعْجِبُهَا تَعَلَّقَ بِخَاطِرِهَا، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِزَوْجِهَا جَعَلَتْ تِلْكَ الصُّورَةَ الَّتِي رَأَتْهَا بَيْنَ عَيْنَيْهَا، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الزَّانِي نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى اجْتِنَابِ ذَلِكَ لَيْسَ إلَّا، بَلْ يُنَبِّهُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَغَيْرَهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرَ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا شَرِبَ الْعَبْدُ الْمَاءَ عَلَى شَبَهِ الْمُسْكِرِ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ حَرَامًا»
[فَصْلٌ فِي الْمَنْع مِنْ إفشاء سُرّ الِاجْتِمَاع بزوجته]
. (فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ بِأَهْلِهِ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا مَا كَانَ فَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ بَعْضُ السُّفَهَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَذْكُرُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَغَيْرِهِمْ مَا كَانَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ مِنْ الْفِعْلِ كَفَى بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ فِي الْمَصَادِرِ، وَالْمَوَارِدِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا لَا يُحَدِّثُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بِمَا ذُكِرَ فَكَذَلِكَ لَا يُحَدِّثُ أَهْلَهُ بِشَيْءٍ جَرَى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ كَائِنًا مَا كَانَ، وَهَذَا النَّوْعُ أَيْضًا مِمَّا يَتَسَاهَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَهُوَ قَبِيحٌ إذْ أَنَّ ذَلِكَ يُحْدِثُ بَيْنَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَالنِّسَاءِ الْمَوَدَّةَ وَالْمَحَبَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute