جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَوْتَى، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا فَيَكُونُ غَاصِبًا لِمَا عَدَا مَوْضِعَ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ مِمَّنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا إلَّا قَدْرَ ضَرُورَتِهِ، وَهُوَ مَا يُوَارِيهِ مِنْهَا إذَا مَاتَ. وَأَشَدُّ مَنْعًا مِنْ الْفَسْقِيَّةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى كُلْفَةِ النَّفَقَةِ فِي الْفَسْقِيَّةِ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ أَنْزَلُوهُ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُتَقَدِّمِ لَهُمْ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيُوصِي بِذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكَشْفَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مُوَارَاتِهِ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ حُبِسَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَهُ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ أَوْ السَّبْخَةِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ الْأَوَّلَ قَدْ فَنِيَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَنْ مِثْلَ الْمُعَلَّا بِمَكَّةَ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ وَالْبَقِيعِ بِالْمَدِينَةِ لِشِدَّةِ سَبْخَتِهِ فَيَبْلَى الْمَيِّتُ فِيهِمَا سَرِيعًا حَتَّى إنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا التُّرَابُ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْرُثُ الْبَقِيعَ بَعْدَ سِنِينَ وَيَدْفِنُ فِيهِ أَعْنِي قُبُورَ مَنْ تَحَقَّقَ خُلُوُّ الْقَبْرِ مِنْهُمْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا بَعْضُهُمْ، وَهِيَ جَعْلُ الرُّخَامِ عَلَى الْقُبُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وَفَخْرٌ وَخُيَلَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا حَوَالَيْهِ. وَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ أَلْوَاحًا مِنْ خَشَبٍ عِوَضًا عَنْ الرُّخَامِ. وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ دَرَابْزِينَ إذْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ صِفَةُ الْقَبْرِ عَلَى السُّنَّةِ، فَكُلُّ مَا خَالَفَهَا فَهُوَ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وَفَخْرٌ وَخُيَلَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ.
[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ فِي الْحَجَرِ الْمُعَلَّمِ بِهِ قَبْرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ كَانَ النَّقْشُ عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي اعْتَادُوهُ عَلَى الْقَبْرِ مَعَ كَوْنِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ مَمْنُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ كَانَ فِي بَلَاطَةٍ مَنْقُوشَةٍ أَوْ فِي لَوْحٍ مِنْ خَشَبٍ. وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى عَمُودٍ كَانَ رُخَامًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالرُّخَامُ أَشَدُّ كَرَاهَةً. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَمُودُ مِنْ خَشَبٍ فَيُمْنَعُ أَيْضًا. ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى الْبِدْعَةِ كَيْفَ تَجُرُّ إلَى الْمُحَرَّمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute