[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]
َ اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ آكَدَ مَا عَلَى الْمُرِيدِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فَيَشُدُّ عَلَى ذَلِكَ يَدَهُ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَمِيلَ، أَوْ يَغْتَرَّ بِمَا قَدْ أَحْدَثَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَفْعَالٍ لَمْ تَكُنْ لِمَنْ مَضَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ وَعَكْسَهُ فِي الِابْتِدَاعِ، وَأَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ أَكْثَرُ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمَا فَاقُوا عَلَى غَيْرِهِمْ إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ اُخْتُصُّوا بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ فُقَرَاءَ وَمُرِيدِينَ وَصُوفِيَّةٍ فَالْفَقِيرُ مَنْ افْتَقَرَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَكَنَ بِقَلْبِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَوَاطِرُ تَلْدَغُهُ فَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا وَيَفْتَقِرُ إلَى رَبِّهِ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ، وَالْمُرِيدُ مَنْ أَرَادَ رَبَّهُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ وَكَانَ غَايَةَ طَلَبِهِ وَمُنَاهُ وَسَلِمَ مِنْ لَدَغَاتِ الْخَوَاطِرِ وَمُجَاهَدَتِهَا لِإِرَادَتِهِ لِرَبِّهِ وَإِيثَارِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ. وَالصُّوفِيُّ مِنْ صَفَا بَاطِنُهُ وَجَمَعَ سِرَّهُ عَلَى رَبِّهِ وَشَاهَدَ عَيَانًا جَمِيلَ صُنْعِهِ فَأَسْنَدَ الْأُمُورَ كُلَّهَا إلَيْهِ فَهُمْ الَّذِينَ قَرَّبَهُمْ اللَّهُ وَاجْتَبَاهُمْ وَخَلَعَ عَلَيْهِمْ خِلَعَ إحْسَانِهِ وَلِحَضْرَتِهِ السَّنِيَّةِ ارْتَضَاهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَهَذَا مَقَامٌ خَاصٌّ بِهِمْ وَالثَّوْبُ النَّظِيفُ أَقَلُّ شَيْءٍ يُدَنِّسُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ سَيِّدِي الشَّيْخِ الْجَلِيلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّمَّاطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ حِينَ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَغُشِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ شِعَارُهَا الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعِ فَإِنْ وَقَعَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ رَأَوْهُ أَمْرًا عَظِيمًا فَأَقْلَعُوا عَنْهُ فِي وَقْتِهِمْ وَجَدَّدُوا التَّوْبَةَ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذَنْبٍ تَقَدَّمَ فَعُجِّلَتْ لَهُمْ عُقُوبَتُهُ فَتَضَرَّعُوا إلَى اللَّهِ وَابْتَهَلُوا إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنْهُمْ.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُرِيدِ أَنْ لَا يُسَامِحَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُخَالِفُ الِاتِّبَاعَ، وَلَوْ قَالَهُ مَنْ قَالَهُ. فَلْيَحْذَرْ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي قَرَّرَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ: فَمِنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute