للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ اسْتَحَبَّهَا وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّرْقِ.

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَهَا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا سِيَّانِ لَا عَتْبَ عَلَى تَارِكِهَا وَلَا حَرَجَ عَلَى فَاعِلِهَا.

وَذَهَبَتْ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ، وَهُمْ الْمُحَقِّقُونَ الْمُتَّبِعُونَ لِلسُّنَّةِ وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الْأُمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - إلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ، أَوْ اسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ لَا حَرَجَ عَلَى فَاعِلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ.

وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ الزَّيَّاتُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ صُوفِيٌّ سُنِّيٌّ يَعْنِي بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِنْ الْعَوَائِدِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمُرِيدَ إذَا وَرَدَ الْبَلَدَ وَقَصَدَ دُخُولَ الرِّبَاطِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعَجَمِ الْخَانْقَاهْ فَالرِّبَاطُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّبْطِ؛ لِأَنَّ سَاكِنَهُ مُرَابِطٌ فِيهِ وَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ رُؤْيَةَ الْقَيْدِ فِي النَّوْمِ وَيَكْرَهُونَ الْغِلَّ فَهَذَا مِنْهُ.

وَلَهُمْ فِيمَا أَحْدَثُوهُ اصْطِلَاحٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّجَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا أَنْ كَثُرَ وُقُوعُهُ وَالْقَوْلُ بِهِ وَالْإِنْكَارُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ وَاتَّبَعَ السُّنَّةَ الْمُطَهَّرَةَ تَعَيَّنَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ دُخُولَ الرِّبَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ يُشَمِّرُ كُمَّيْهِ وَيَبْتَدِئُ فِي ذَلِكَ بِالْيَمِينِ وَهَذَا إذَا أَرَادَ دُخُولَ الرِّبَاطِ، أَوْ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا طَاهِرًا وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ بِتَشْمِيرِ كُمِّهِ الْأَيْسَرِ وَيُبَالِغُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيُسَمُّونَهَا آدَابًا. حَتَّى أَنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَوَغَّلَ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَنَّهُ خَدَمَ شَيْخَهُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَشَمَّرَ كُمَّهُ الْأَيْمَنَ قَبْلَ الْأَيْسَرِ فَقَالَ لَهُ شَيْخُهُ أَيْنَ تُرِيدُ فَاسْتَفَاقَ لِخَطَئِهِ عَلَى زَعْمِهِمْ، فَقَالَ يَا سَيِّدِي إلَى بَغْدَادَ فَسَافَرَ إلَيْهَا. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى تَبْدِيلِ الْخَاطِرِ الْمُعَجَّلِ بِمُخَالَفَةِ سُنَّةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَ وَقَعَ بِهَا هَذَا فِي أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَعَبُ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَتَرْكُ جَمْعِ الْخَاطِرِ فِي الْحَضَرِ وَبَرَكَتِهِ.

وَالثَّانِي: إخْبَارُ شَيْخِهِ بِمَا لَيْسَ فِي بَاطِنِهِ، وَطَائِفَةُ الصُّوفِيَّةِ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>