وَالنَّعْيَ فَإِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ النَّعْيِ الْأَذَانُ عَلَى الْمَيِّتِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ لَيْلًا وَنَهَارًا.
وَلَوْ أَخَذْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ رَاحَةً وَخَفَضْنَ مِنْ أَصْوَاتِهِنَّ حِينَ نَعْيِهِنَّ، ثُمَّ اعْتَدْنَ مَعَ ذَلِكَ عَادَةً جَاهِلِيَّةً، وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَاءَتْ لِتُعَزِّيَ تَدْخُلُ، وَهِيَ تَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَاللَّطْمِ عَلَى الْخُدُودِ وَتَخْمِيشِ الْوُجُوهِ، وَتَتَلَقَّاهَا النَّوَائِحُ عَلَى مَا يُعْهَدُ مِنْ فِعْلِهِنَّ الذَّمِيمِ وَيَتَكَلَّفْنَ إذْ ذَاكَ رَفْعَ أَصْوَاتِهِنَّ، فَإِذَا وَصَلْنَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ قُمْنَ إلَى لِقَائِهِنَّ، وَفَعَلْنَ مَعَهُنَّ كَفِعْلِهِنَّ وَيَعْمَلْنَ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ كَذَلِكَ مَعَ كُلِّ مَنْ أَتَى إلَيْهِنَّ مِنْ النِّسَاءِ لِلتَّعْزِيَةِ، وَيَبْقَيْنَ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً عَلَى قَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ مَعَارِفُهُنَّ، وَيَفْعَلْنَ مَعَ ذَلِكَ أَفْعَالًا قَبِيحَةً شَنِيعَةً تُنَزَّهُ الْأَقْلَامُ عَنْ كَتْبِهَا، وَالْأَلْسُنُ عَنْ النُّطْقِ بِهَا فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذِكْرِهَا، وَكُلُّهَا مُصَادِمَةٌ لِلشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَهِيَ وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَنْحَصِرَ أَوْ تَرْجِعَ إلَى قَانُونٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَوَائِدِ الْبِلَادِ، وَالْأَقَالِيمِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جُهْدَهُ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَا يَحْضُرُ مَوْضِعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ حَضَرَ لَكَانَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَعْنِي فِي حُصُولِ الْإِثْمِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ لَيْسَ كَاعْتِقَادِهِمْ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَ بِمَنِّهِ.
[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]
فَإِذَا قَضَى الْمَيِّتُ فَلْيَشْتَغِلْ مَنْ حَضَرَهُ بِحَقِّهِ وَيَأْخُذْ فِي إصْلَاحِ شَأْنِهِ. فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُغْمِضَ عَيْنَيْهِ لِئَلَّا تَبْقَى مَفْتُوحَتَيْنِ، وَذَلِكَ شَوَهٌ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِصَابَةً أَوْ طَرَفَ عِمَامَةٍ أَوْ غَيْرَهُمَا وَيَجْعَلَهَا تَحْتَ ذَقَنِهِ وَيَشُدَّهَا عَلَى رَأْسِهِ لِئَلَّا تَسْتَرْخِيَ ذَقَنُهُ فَيَبْقَى فَاهُ مَفْتُوحًا، وَذَلِكَ شَوَهٌ، وَقَدْ يَنْزِلُ الْمَاءُ فِي جَوْفِهِ حِينَ غُسْلِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ تَكْفِينِهِ فَيُلَوِّثُهُ، وَقَدْ تَدْخُلُ الْهَوَامُّ مِنْهُ لِجَوْفِهِ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا، ثُمَّ يُلِينُ مَفَاصِلَهُ وَيَمُدُّ يَدَيْهِ مَدًّا، وَكَذَلِكَ رُكْبَتَيْهِ حِينَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهُ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَعَذَّرَ مَدُّهَا.
ثُمَّ يَجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةً أَوْ سِكِّينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَطِينًا مَبْلُولًا طَاهِرًا؛ لِئَلَّا يَعْلُوَ فُؤَادُهُ فَيُخْشَى أَنْ يَتَفَجَّرَ قَبْلَ حُلُولِهِ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ يُزِيلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ مَا عَدَا الْقَمِيصَ، ثُمَّ يُجْعَلَ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ كَدَكَّةٍ وَنَحْوِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute