للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَتْلِهِمْ، فَلَا يَدْخُلُهَا إلَّا خَاصَّةُ الْمَلِكِ وَحُجَّابُهُ عَلَى بَابِهَا.

وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الْمَقْصُورَةَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ حِينَ طَعَنَهُ الْيَمَانِيُّ فَجَعَلَ مَقْصُورَةً مِنْ طِينٍ وَجَعَلَ فِيهَا تَشْبِيكًا.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمَقْصُورَةُ مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا الْأُمَرَاءُ لِلْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَاِتِّخَاذُهَا فِي الْجَوَامِعِ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً تُفْتَحُ أَحْيَانَا وَتُمْنَعُ أَحْيَانَا فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الْخَارِجُ عَنْهَا اللَّاصِقُ بِهَا. وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ اللَّاصِقُ بِجِدَارِ الْقِبْلَةِ فِي دَاخِلِهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَوْلُهُ: وَجَعَلَ فِيهَا تَشْبِيكًا يُرِيدُ تَخْرِيمًا يَرَى مِنْهُ النَّاسُ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ. ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ تُعْمَلُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ زِيِّ الْمَسْجِدِ، وَكَثُرَ هَذَا حَتَّى صَارَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ مَدْرَسَةً وَيَقِفَ لَهَا وَقْفًا يَأْخُذُ مِنْ الْجَامِعِ نَاحِيَةً حَيْثُ يَخْتَارُ فِيهِ فَيُدِيرُهَا بِالدَّرَابْزِينِ وَيَجْعَلُهَا لِأَخْذِ الدَّرْسِ فِيهَا، فَسَرَى الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ الْفُقَهَاءِ يَدْخُلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تُقْصَدُ لَهَا الْمَسَاجِدُ، فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُطْرَدُ فِي وَقْتِ الدَّرْسِ، وَهَذَا غَصْبٌ وَإِحْدَاثٌ وَتَصَرُّفٌ فِي الْوَقْفِ لَا شَكَّ فِيهِ.

(فَصْلٌ)

[فَصْلٌ الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ فِي الْجَامِعِ]

(فَصْلٌ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ فِي الْجَامِعِ وَيُؤَبِّدُونَهُ وَعَلَيْهِ الْمُصْحَفُ لِكَيْ يُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُمْسَكُ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ كَبِيرٌ وَهُوَ وَقْفٌ عَلَى الْمُصَلِّينَ لِصَلَاتِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَمِنْهُمْ الْمُصَلِّي وَمِنْهُمْ التَّالِي وَمِنْهُمْ الذَّاكِرُ وَمِنْهُمْ الْمُفَكِّرُ، فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ إذْ ذَاكَ قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ.

وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمَسْجِدِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» وَهُوَ نَصٌّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>