للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَمِعُونَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَتَشَوَّشُ مِنْ الْمُشْتَغِلِينَ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنْ شَوَّشَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِوُجُودِ الضَّرَرِ.

وَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا» رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ.

وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَجَّاجُ أَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ مَنْ مَضَى، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ أَرْسَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَصَاحِفَ إلَى الْأَمْصَارِ تُوضَعُ فِي الْجَوَامِعِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِتَجْمِيعِ النَّاسِ عَلَى مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَيْهِ، خَاصَّةً لِيَذْهَبَ التَّنَازُعُ فِي الْقُرْآنِ وَيُرْجَعَ لِهَذَا الْمُصْحَفِ إذَا اُخْتُلِفَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُتْرَكَ مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْمَصَاحِفِ وَقَدْ أُمِنَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَلَا يُكْتَبُ مُصْحَفٌ وَيُجْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مَا أَحْدَثُوهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الصَّنَادِيقِ الْمُؤَبَّدَةِ الَّتِي يَجْعَلُ فِيهَا بَعْضُ النَّاسِ أَقْدَامَهُمْ وَغَيْرَهَا مِنْ أَثَاثِهِمْ، وَذَلِكَ غَصْبٌ لِمَوْضِعِ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّابُوتَ الَّذِي جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّدَقَاتِ، وَرَآهُ مِنْ حَرْثِ الدُّنْيَا انْتَهَى.

وَمِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْوَقْفِ وَالتَّغْيِيرِ لِمَعَالِمِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَفْرِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَعْمَلَ فِيهِ مَوْضِعًا كَالْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ يَعْمَلُ فِيهَا مَا يَخْتَارُ مِنْ خَتْمَةٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَعَلَى مَا ذُكِرَ فَقِسْ كُلَّ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ فِي الْمَسْجِدِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الدَّكَّةُ الَّتِي يَصْعَدُ عَلَيْهَا الْمُؤَذِّنُونَ لِلْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الْأَذَانِ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ أَشَدُّ مِنْ الصَّنَادِيقِ، إذْ يُمْكِنُ نَقْلُ الصَّنَادِيقِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا إذْ إنَّ السُّنَّةَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ، كَذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>