تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ بِنَاحِيَةِ الْيَمِينِ فَلَمَّا أَنْ رَآهُ خَالَفَ هَذِهِ السُّنَّةَ عَرَضَ لَهُ بِقَوْلِهِ مَنْ شَيْخُكَ لِيُنَبِّهَهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةٍ لِلسُّنَّةِ فَكَانَ فِي الْمُرِيدِ مِنْ الْيَقِظَةِ وَالْحُضُورِ مَا فَهِمَ بِهِ مُرَادَهُ فَأَجَابَهُ فَهَكَذَا تَكُونُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِذَلِكَ بِمَنِّهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي لِبَاسِ الْعَالِمِ وَتَصَرُّفِهِ مَا فِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ إعَادَتِهِ لَكِنَّ الْمُرِيدَ يَكُونُ أَشَدَّ حِرْصًا عَلَى الِاتِّبَاعِ لِانْقِطَاعِهِ إلَى اللَّهِ وَتَبَتُّلِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي تِلْكَ الثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ السَّرَفِ فَكَذَلِكَ مَا يُشْبِهُهَا أَعْنِي مِنْ الْوُسْعِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ الْمُرِيدِ قَصِيرًا فِي الْغَالِبِ لَكِنَّهُ احْتَوَى عَلَى شَيْئَيْنِ قَبِيحَيْنِ: مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَوُجُودِ السَّرَفِ فِيهِ أَعْنِي فِي الْوُسْعِ الْخَارِقِ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ
[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]
(فَصْلٌ) : وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الصُّوفِيَّةَ نَظِيفَةٌ وَأَقَلُّ شَيْءٍ يُدَنِّسُ النَّظِيفَ لَا جَرَمَ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ التَّدْلِيسُ وَالتَّخْلِيطُ وَظَهَرَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ طَرِيقَةٍ ادَّعَاهَا الْإِنْسَانُ فَضَحَتْهُ فِيهَا شَوَاهِدُ الِامْتِحَانِ إلَّا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَضَحُ فِيهَا غَالِبًا، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:
وَأَحَدُهُمَا: أَنَّ طَرِيقَهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالسَّتْرِ وَالْعَفْوِ وَالتَّصَفُّحِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْإِغْضَاءِ عَنْ الْعُيُونِ، وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا يُخَالِفُ طَرِيقَهُمْ سَتَرُوا عَلَيْهِ وَجَرُّوا عَلَيْهِ أَذْيَالَ الْفُتُوَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَغَيَّرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَقَلُّ مَا يَقَعُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَكَ: حَسَدْتَنِي وَيَقُومُ فِي حَمِيَّتِهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَتَتَدَاعَى الْفِتَنُ وَتَكْثُرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُظُوظِ الَّتِي تَعْتَوِرُهُمْ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ سَكَتَ مَنْ سَكَتَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالِاتِّبَاعِ فَظَنَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِحَالِهِمْ السَّيِّئِ أَنَّ سُكُوتَهُمْ رِضَاءٌ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا رَأَوْهُ، أَوْ سَمِعُوهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا وَجَدُوا مَنْ يُقْبَلُ الْحَقُّ مِنْهُمْ أَلْقَوْا إلَيْهِ مَا يُخْلِصُونَ بِهِ مُهْجَتَهُ مِنْ هَذِهِ الْغَمَرَاتِ وَسَارُوا بِهِ وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَا لِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ، بَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَرَحًا مِنْهُمْ بِهِدَايَةِ شَارِدٍ عَنْ بَابِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُضْطَرٌّ إلَى مَنْ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute