للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَسْخَ الْمُصْحَفِ فِي أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [القيامة: ١٧] وَهَؤُلَاءِ يُفَرِّقُونَهُ، فَإِذَا كُرِهَ هَذَا فِي الْأَجْزَاءِ فَمَا بَالُك بِتَغْيِيرِهِ عَنْ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ.

وَلَقَدْ سَرَى هَذَا لِبَعْضِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، حَتَّى إنَّهُمْ لَيُعِدُّونَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَنَسْخِ الْخِتْمَةِ بِهَا مِنْ الْفَضِيلَةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْمَعُ فِي الْخِتْمَةِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ كَتْبِهَا بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَاللِّسَانِ الْعَجَمِيِّ فَيَكْتُبُ الْآيَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ثُمَّ يَكْتُبُهَا بَعْدَهَا بِاللِّسَانِ الْعَجَمِيِّ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ وَالْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَرِّجَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الصَّانِعِ الَّذِي يُجَلِّدُ الْمَصَاحِفَ وَالْكُتُبَ وَغَيْرَهَا]

(فَصْلٌ)

فِي نِيَّةِ الصَّانِعِ الَّذِي يُجَلِّدُ الْمَصَاحِفَ وَالْكُتُبَ وَغَيْرَهَا. اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ مِنْ أَهَمِّ الصَّنَائِعِ فِي الدِّينِ إذْ بِهَا تُصَانُ الْمَصَاحِفُ وَكُتُبُ الْأَحَادِيثِ وَالْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةِ فَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فِي النَّاسِخِ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ بِصَنْعَتِهِ عَلَى صِيَانَةِ مَا تَعِبَ فِيهِ النَّاسِخُ وَحَصَّلَهُ وَفِيهِ أَيْضًا جَمَالٌ لِلْكِتَابِ وَتَرْفِيعٌ لَهُ وَاحْتِرَامُهُ وَتَرْفِيعُهُ مُتَعَيَّنٌ فَإِذَا خَرَجَ الصَّانِعُ مِنْ بَيْتِهِ أَخَذَ مِنْ نِيَّاتِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ مَا يَعْتَوِرُهُ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَنْوِي إعَانَةَ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِصِنَاعَتِهِ عَلَى صِيَانَةِ مَصَاحِفِهِمْ وَكُتُبِهِمْ ثُمَّ يَصْحَبُ مَعَ ذَلِكَ نِيَّةَ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الصَّانِعَ مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الصُّنَّاعِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ أَوْ تَأَخَّرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْعَالِمِ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ يَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَذَلِكَ يَقْبَلُ كُلَّ مَا نَوَاهُ وَالصُّنَّاعُ لَيْسُوا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَغْرِقُونَ فِي الْأَسْبَابِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ إذْ إنَّ الصَّانِعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُتَسَبِّبِينَ يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةِ عُلُومٍ:

الْأَوَّلُ - عِلْمُ الصَّنْعَةِ الَّتِي يُحَاوِلُهَا.

وَالثَّانِي - الْعِلْمُ بِلِسَانِ الْعِلْمِ فِيهَا.

وَالثَّالِثُ - الْعِلْمُ بِمَا يَخُصُّهُ فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ فِيمَا يَعْتَوِرُ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ فِي عِبَادَتِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>