فَصَحِبْتهَا، وَإِلَى التَّوَاضُعِ فَاِتَّخَذْته خِدْنًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَجَأْت إلَى التَّوْبَةِ فَاسْتَجَرْت بِهَا، وَلَبِسْت جِلْبَابَ الْحَيَاءِ مِمَّا سَلَفَ مِنْك، وَشَهِدَ اللَّهُ عَلَيْك بِهِ، وَشَاهَدَهُ مِنْك مِنْ الْإِسَاءَةِ مَعَ مَا تَعْرِفُ مِنْ كَثْرَةِ إحْسَانِهِ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ بَعْدَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ مِمَّا يَكْرَهُ، وَعَمَدْت إلَى الْمَعَاصِي فَعَادَيْتهَا مِنْك، وَمِنْ غَيْرِك فَتَكْرَهُ أَنْ يَعْصِيَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ بِصَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ فَرَاجَعْت الْإِحْسَانَ مُجْتَهِدًا، وَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ عَارِفٌ بِالنِّعْمَةِ عَلَيْك فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّجُوعِ، وَإِنَّ ذَلِكَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ عَلَيْك فَالْتَمَسْت لَطِيفَ الشُّكْرِ بَعْدَ إقْلَاعِك عَنْ الْإِسَاءَةِ بِشِدَّةِ الْمُضَادَّةِ لَهَا فَعَظُمَ شُكْرُك عِنْدَ التَّحْوِيلِ إلَى الْإِحْسَانِ بَعْدَ الْإِسَاءَةِ فَإِذْ ذَاكَ قَدْ صِرْت فِي جَمِيعِ أَحْوَالِك شَاكِرًا ذَاكِرًا، وَلَمْ يُعْجِزْك مَعْرِفَةُ الْإِحْسَانِ فَشَكَرْت حِينَئِذٍ الشَّاكِرَ الْمَشْكُورَ الَّذِي وَعَدَ عَلَى الشُّكْرِ الزِّيَادَةَ، وَوَعْدُهُ لَا خُلْفَ فِيهِ، وَعَرَفْت الْإِسَاءَةَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَخْرَجُهَا فَرَاجَعْت الْإِحْسَانَ بِالْعِتَابِ مِنْك لِنَفْسِك، وَلِمَنْ زَيَّنَ الْإِسَاءَةَ لَك، وَدَعَاك إلَيْهَا فَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي تَتَفَرَّعُ مِنْهُ فُنُونُ الْخَيْرِ، وَبِهِ تُغْلَقُ أَبْوَابُ الشَّرِّ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]
ِ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - وَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ: أَوْضِحْ لَنَا الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يَنَالُ الْعِبَادُ بِهَا الْقُرْبَ مِنْ رَبِّهِمْ، وَيَقْوُونَ بِهَا عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَيَبْلُغُونَ بِهَا رِضْوَانَهُ، وَالْأَمْرَ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إلَيْهِ، وَيُقَصِّرُ بِهِمْ عَنْهُ إيضَاحًا شَافِيًا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بَيِّنًا.
فَقَالَ: سَأُوضِحُ لَك ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَافْهَمْ قَوْلِي بِفَهْمٍ لَا يُخَالِطُهُ سَهْوٌ، وَتَذَكَّرْ فِيهِ بِتَذَكُّرٍ لَا يُخَالِطُهُ غَفْلَةٌ، وَاصْبِرْ عَلَيْهِ صَبْرًا لَا يُخَالِطُهُ جَزَعٌ فَإِنَّك إنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ يُنْهَج لَك مِنْهَاجُ الطَّرِيقِ، وَتَسْلَمْ مِنْ تَقْصِيرِ طَرِيقِ الْهَلَكَةِ، وَالتَّوْفِيقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute