للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَامَ سُوءُ الْأَدَبِ، وَالْمَكْرُ، وَالْخَدِيعَةُ مَقَامَ الْعُقُولِ، وَقَامَتْ الْمُدَاهَنَةُ مَقَامَ الْمُدَارَاةِ، وَقَامَ الْغِشُّ مَقَامَ النُّصْحِ، وَقَامَ الْكَذِبُ مَقَامَ الصِّدْقِ، وَقَامَ الرِّيَاءُ مَقَامَ الْإِخْلَاصِ، وَقَامَ الشَّكُّ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَقَامَتْ التُّهْمَةُ مَقَامَ الثِّقَةِ، وَقَامَ الْأَمْنُ مَقَامَ الْخَوْفِ، وَقَامَ الْجَزَعُ مَقَامَ الصَّبْرِ، وَقَامَ السُّخْطُ مَقَامَ الرِّضَا، وَقَامَ الْجَهْلُ مَقَامَ الْعِلْمِ، وَقَامَتْ الْخِيَانَةُ مَقَامَ الْأَمَانَةِ فَصَارَ مِنْ قِلَّةِ الْأَكْيَاسِ لَا تُعْرَفُ الْحَمْقَى، وَمِنْ قِلَّةِ أَهْلِ الصِّدْقِ لَا يُعْرَفُ أَهْلُ الْكَذِبِ إلَّا عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبَصِيرَةِ فَاعْتَدَلَ النَّاسُ فِي قُبْحِ السَّرِيرَةِ، وَقِلَّةِ الِاسْتِقَامَةِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ النَّقْصِ الَّذِي نَكْرَهُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَحِيلَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ أَنْ نَدْخُلَ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي نُحِبُّهَا لِأَنْفُسِنَا عُقُوبَةً لِقُبْحِ أَسْرَارِنَا فَجَرَيْنَا فِي مَيْدَانِ الْجَهْلِ، وَغَلَبَ عَلَيْنَا سُكْرُ حُبِّ الدُّنْيَا فَنَحْنُ نَسْتَبِقُ فِي هَذَيْنِ السَّبِيلَيْنِ، وَنَتَنَافَسُ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُمَا فَصَحَّ عِنْدِي أَنَّ مِنْ الْجَهْلِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَالِاغْتِرَارِ بِهِ الْقِيَامَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْهَا أَيْسَرُ، وَأَقْرَبُ رُشْدًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فِيهِ مَعَ التَّخَلُّصِ إلَى خُمُولِ الذِّكْرِ أَيْنَمَا كَانَ، وَطُولِ الصَّمْتِ، وَقِلَّةِ الْمُخَالَطَةِ لِلنَّاسِ، وَالِاعْتِصَامِ بِاَللَّهِ، وَالْعَضِّ عَلَى الْكِسَرِ الْيَابِسَةِ، وَمَا دَنُؤَ مِنْ اللِّبَاسِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا، وَالتَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ، وَانْتِظَارِ الْفَرْجِ، وَاعْلَمْ أَنِّي قَدْ نَظَرْتُ بِبَحْثِ النَّفْسِ، وَالْعِنَايَةِ بِهَا فَوَجَدْتُ غَفْلَتَنَا عَظِيمَةً، وَخَطَرَنَا عَظِيمًا، وَالْغَفْلَةُ عَنْ الْخَطَرِ أَعْظَمُ مِنْ الْخَطَرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْظُمُ الْخَطَرُ عِنْدَ أُولِي الْعُقُولِ فَكُلَّمَا عَظُمَ الْخَطَرُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ عَظِيمٌ، وَكُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ حَرَّكَك عَظِيمُ الْخَطَرِ فَانْتَقَلْتَ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ إلَى حَالِ التَّيَقُّظِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

وَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي أَنْ لَا تَأْذَنَ لِقَلْبِك فِي اسْتِصْحَابِ مَا يَعْسُرُ عَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>