يَبْقَ لَهَا خَطَرٌ وَلَا بَالٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّعْزِيَةِ أَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَحْسَنُ التَّعْزِيَةِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «آجَرَكُمْ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِكُمْ وَأَعْقَبَكُمْ خَيْرًا مِنْهَا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي صَدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ الصَّالِحَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَائِبِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ أَلْفَاظَ التَّعْزِيَةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَمَنْ يُعَزِّي، وَمَنْ يُعَزَّى فِيهِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي فَلَمَّا ذَهَبَ قِيلَ لَهَا: إنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ فَأَتَتْ بَابَهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَعْرِفْك فَقَالَ: «إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دَفَنْت ابْنِي سِنَانًا، وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلَانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا فَرَغْت قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُك قُلْت: بَلَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: أَقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ: حَمِدَك وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْت صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةُ» وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ أَنْ يُرَاعُوا التَّعْزِيَةَ فِي الدِّينِ أَكْثَرَ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ فَعَزَّانِي فِيهَا فُلَانٌ وَلَمْ يُعَزِّنِي غَيْرُهُ وَلَوْ مَاتَ لِي وَلَدٌ لَعَزَّانِي فِيهِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ كَمَا قَالَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ مُصِيبَةَ الدِّينِ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ مُصِيبَةِ الدُّنْيَا عَكْسُ مَا الْحَالُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ.
[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]
وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُهُمْ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ مَعَ الْحَامِلِينَ فِي الْأَقْفَاصِ الْخِرْفَانَ وَالْخُبْزَ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute