الْمِسْكِينِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ الْعُظْمَى بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ حُبِّ الرِّيَاسَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالْمُفَاخَرَةِ؟ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ رَجَعَ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ذُكِرَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ وَقْتِهِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى طَرَفٍ مِمَّا ذُكِرَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ بِفَضِيلَةِ الْعِلْمِ يَقُولُ: نَاقِلٌ نَاقِلٌ خَوْفًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْصِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذِبًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّاقِلَ لَيْسَ بِعَالِمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَانِعٌ مِنْ الصُّنَّاعِ كَالْخَيَّاطِ وَالْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ هَذَا إذَا كَانَ نَقْلُهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِلَّا كَانَ دَجَّالًا فَيُسْتَعَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ النَّقْلُ لَيْسَ إلَّا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُلُوبِ.
[طَلَب الْعِلْم]
وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ لِلْحَافِظِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْأَصْبَهَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا الْعِلْمُ لِمَنْ اتَّبَعَ الْعِلْمَ وَاسْتَعْمَلَهُ وَاقْتَدَى بِالسُّنَنِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْعِلْمِ انْتَهَى يُبَيِّنُ هَذَا وَيُوَضِّحُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَنْبَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ يَقُولُ: مَا أَظُنُّ الْقُرْآنَ إلَّا عَارِيَّةً فِي أَيْدِينَا، وَذَلِكَ أَنَّا رَوَيْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَفِظَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمَّا حَفِظَهَا نَحَرَ جَزُورًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ الْغُلَامَ فِي دَهْرِنَا هَذَا يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ فَيَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لَا يُسْقِطُ مِنْهُ حَرْفًا فَمَا أَحْسَبُ الْقُرْآنَ إلَّا عَارِيَّةً فِي أَيْدِينَا.
وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَكَتْبِهِ دُونَ مَعْرِفَتِهِ وَفَهْمِهِ فَيَكُونَ قَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْفَرَ بِطَائِلٍ.
، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: اعْلَمُوا مَا شِئْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا فَلَنْ يَأْجُرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ حَتَّى تَعْمَلُوا قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ قَوْلِ مُعَاذٍ وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute