مِنْ تُرَابٍ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ أَمْرٍ بِهِ وَلَا أَعْرِفُهُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْرَأَ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ الْقُرْآنَ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ فِكْرَةٍ وَاعْتِبَارٍ وَنَظَرٍ فِي الْمَآلِ، وَذَلِكَ يُشْغِلُ عَنْ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] ، وَالْإِنْصَاتُ مُتَعَذَّرٌ لِشُغْلِ الْقَلْبِ بِالْفِكْرِ فِيمَا هُوَ إلَيْهِ صَائِرٌ وَعَلَيْهِ قَادِمٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى وَهُمْ السَّابِقُونَ وَالْقُدْوَةُ الْمُتَّبَعُونَ، وَنَحْنُ التَّابِعُونَ فَيَسَعُنَا مَا وَسِعَهُمْ، فَالْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ وَالرَّحْمَةُ فِي اتِّبَاعِهِمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ كَذَلِكَ بِمَنِّهِ.
[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]
فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤْتَى بِتُرَابٍ آخَرَ حَتَّى يَكْثُرَ وَيَرْتَفِعَ الْقَبْرُ بِهِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَاطِئًا مَعَ الْأَرْضِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْ الْأَرْضِ قَلِيلًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُسَطَّحُ الْقَبْرُ أَوْ يُسَنَّمُ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَأَيُّمَا فَعَلَ مِنْهُمَا كَانَ حَسَنًا. وَلَا يُجَصَّصُ الْقَبْرُ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُرَصَّ عَلَى الْقَبْرِ بِالْحَجَرِ وَالطِّينِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِطُوبٍ أَوْ حِجَارَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِهِ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: ٢١] رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ، وَهُوَ تَفْصِيصُهَا» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا.
وَمِنْ الْقُرْطُبِيِّ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: «قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا أَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته.» وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute