للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُظْهِرَ حَسَنَاتِك أَوْ تُرَائِيَ بِهَا مَا فَعَلْت.

، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرِيدَ فِي تَرْكِ الْمَيْتَةِ يَخَافُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهَا، وَيَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَنَالَ مِنْهَا، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا، وَيَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْهَا، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَهُوَ يَخَافُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَعْصِيَهُ فِيمَا أَحَلَّهُ لَهُ، وَيَخَافُ أَنْ يَشْبَعَ مِمَّا أَبَاحَهُ لَهُ.

فَمَنْ قَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ الزُّهْدِ فِيهَا، وَأَقَامَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا الَّتِي فِي الدُّنْيَا مَقَامَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّمَا يَنَالُ مِنْهَا الْبُلْغَةَ عِنْدَمَا اُضْطُرَّ إلَيْهَا، وَيَخَافُ مِنْ اللَّهِ إنْ تَرَكَ أَخْذَ تِلْكَ الْبُلْغَةِ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ أَنْ يُعَذَّبَ عَلَى تَرْكِهَا كَمَا يَخَافُ أَنْ يُعَذَّبَ عَلَى أَخْذِ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَامِ بِمَا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ، وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَاك اللَّهُ عَنْهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَقْلِك أَنْ تَأْخُذَ مَيْتَةً فَتُخَزِّنَهَا، وَلَا إنْ فَاتَتْ حَزِنْت عَلَيْهَا، وَلَا إنْ وَجَدْتهَا فَرِحْتَ بِهَا؛ لِأَنَّك مِنْهَا عَلَى مَقْتٍ لَهَا بِمَا تَقَذَّرَ مِنْك لَهَا فَإِذَا خِفْتَ مِنْهَا أَنْ تَنَالَهَا نَفَيْتَ الْمَخَافَةَ الَّتِي حَلَّتْ بِقَلْبِك حَلَاوَتُهَا، وَهِيَ الدُّنْيَا فَتَجْتَزِئُ مِنْهَا بِمَا أَقَامَ صُلْبَكَ، وَأَدَّيْت بِهِ فَرْضَك، وَدَعْ مَا سِوَى ذَلِكَ يُكَابِدُهُ غَيْرُك، وَاَلَّذِي تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا يَسِيرُهَا، وَهُوَ مَا تَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَك، وَتُقِيمُ بِهِ صُلْبَك لِأَدَاءِ فَرَائِضِك، وَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الدُّنْيَا، وَمُنْتَهَى طَلَبِ الْآخِرَةِ تَرْكُ الدُّنْيَا، وَمُنْتَهَى طَلَبِ الدُّنْيَا جَمْعُ مَا أَحْبَبْت مِنْ الدُّنْيَا فَإِذَا رَأَيْت نَفْسَك تَأْنَسُ بِقُرْبِ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَتَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِمَا فَاعْلَمْ أَنَّك مُحِبٌّ لِلدُّنْيَا، وَمَنْ كَانَ مُحِبًّا لِلدُّنْيَا فَهُوَ قَالٍ لِلْآخِرَةِ. انْتَهَى

[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

ِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إنَّمَا هُوَ الصِّدْقُ، وَالْعَقْلُ، وَالصِّدْقُ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِشَأْنِهِمَا، وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ يُمْنُ بْنُ رِزْقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ فِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَبَيَانٌ تَامٌّ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>