اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَانًا تُوجِعُنِي عَيْنِي فَآتِي إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَيَرْقِيهَا فَأَسْتَرِيحُ أَوْ كَمَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى عَيْنِك فَيُوجِعُهَا ثُمَّ يُوَسْوِسُ لَك حَتَّى تَأْتِيَ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَتَكَلَّمَ بِكَلَامِهِ رَفَعَ الشَّيْطَانُ يَدَهُ عَنْ عَيْنِك أَوْ كَمَا قَالَ وَنَهَاهُ عَنْ أَنْ يَعُودَ لِمِثْلِهَا» لَقَدْ فَتَحَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَابَ وَأَوْضَحَ وَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ تَلَقِّي أَمْرِ الشَّارِعِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ يَأْمُرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِوَحْيِ إلْهَامٍ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَكِلَاهُمَا يَتَعَيَّنُ قَبُولُهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا جَرَى فِي قِصَّةِ «الَّذِي شَكَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَطْنَ أَخِيهِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَسْقِيَهُ عَسَلًا فَفَعَلَ، ثُمَّ شَكَا لَهُ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا فَفَعَلَ، ثُمَّ شَكَا لَهُ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا فَفَعَلَ، ثُمَّ شَكَا لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرِئَ» .
قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي مَعْنَى ذَلِكَ: إنَّ الْعَسَلَ الَّذِي شَرِبَهُ الْمَرِيضُ بِبَطْنِهِ كَانَ فِيهِ الشِّفَاءُ فَلَمْ يَزَلْ يُخْرِجُ مَادَّةَ الْمَرَضِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ انْطِلَاقُ بَطْنِهِ وَكَانَ الَّذِي ظَهَرَ لِأَخِيهِ أَنَّ الْعَسَلَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِسَبَبِهِ شِفَاءٌ وَكَانَ الشِّفَاءُ قَدْ حَصَلَ
[فَصْلٌ فِي الطَّبِيبِ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ]
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يَنْوِيَ تِلْكَ النِّيَّاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي حَقِّ الْعَالِمِ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ عِلْمَانِ: عِلْمُ الْأَدْيَانِ وَعِلْمُ الْأَبَدَانِ، وَكِلَاهُمَا إذَا تَخَلَّصَتْ النِّيَّةُ فِيهِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ فَيَدْخُلُ فِي عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُرِيدُ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْ الدُّنْيَا وَيَنْوِي بِذَلِكَ امْتِثَالَ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فِي التَّطَبُّبِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ إعَانَةِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ وَكَشْفِ الْكَرْبِ عَنْهُمْ وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي مَصَائِبِهِمْ وَالنَّوَازِلِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ.
وَيَنْوِي السَّتْرَ عَلَى عَوْرَاتِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَطَّلِعُ إلَّا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا دَعَتْ الضَّرُورَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ.
وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى يُؤْمَرُ الْمَرِيضُ وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute