للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَيْرُ لِبَاسِهَا نَفَثَاتُ دُودٍ ... وَخَيْرُ شَرَابِهَا قَيْءُ الذُّبَابِ

وَأَشْهَى مَا يَنَالُ الْمَرْءُ فِيهَا ... مُبَالٍ فِي مُبَالٍ مُسْتَطَابِ

وَعَنْ قُرْبٍ يَعُودُ الْكُلُّ تُرْبًا ... بِلَا شَكٍّ يَكُونُ وَلَا ارْتِيَابِ

وَقَالَ: كُنْتُ قَدْ رَأَيْتُ فِي كُتُبِ الْحُكَمَاءِ أَنَّ أَرْبَعَةً لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَأْمَنَهَا فَطَلَبْتُهَا فِي حِفْظِي فَلَمْ أَجِدْ مِنْهَا سِوَى وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ أَبْدَتْ الْوُدَّ وَأَظْهَرَتْ النُّصْحَ. وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي السُّلْطَانُ وَإِنْ أَبْدَى التَّقْرِيبَ وَالْمُصَافَاةَ. وَأَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ جَمًّا وَافِرًا. وَأَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ الزَّمَانَ وَإِنْ كَانَ مُطَاوِعًا مُسَالِمًا. فَرُبَّ مَخْدُوعٍ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَخَانَتْهُ، أَوْثَقُ مَا كَانَ بِهَا وَأَسْلَمَتْهُ أَمْيَلُ مَا كَانَ إلَيْهَا.

وَقَالَ: الرَّاحَةُ كُلُّهَا فِي الرِّضَا بِاخْتِيَارِ الْحَقِّ لَكَ وَالتَّعَبُ كُلُّهُ فِي اخْتِيَارِكَ لِنَفْسِكَ. وَمُدَافَعَةُ الْأَيَّامِ شِيمَةُ الْكِرَامِ. وَاغْتِنَامُ الْوَقْتِ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى الْعَمَلِ وَاطِّرَاحِ الْأَمَلِ سَعَادَةٌ. وَانْتِظَارُ الْفَرَجِ بِالصَّبْرِ عِبَادَةٌ.

وَقَالَ: يَا هَذَا إذَا رَأَيْتَ إنْسَانًا لَمْ تُلْزِمْكَ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَفِرَّ مِنْهُ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ، أَوْ أَشَدَّ، وَإِنْ قُدِّرَ اجْتِمَاعُكَ مَعَهُ مُفَاجَأَةً فَاقْتَصِرْ فِي الْكَلَامِ مَعَهُ وَاعْتَذِرْ لَهُ بِشُغْلٍ وَاتْرُكْهُ بِسَلَامٍ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّ تَعَبَكَ فِي الدُّنْيَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا إنَّمَا جَاءَكَ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ.

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

(فَصْلٌ) : وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً لِكُلِّ وَقْتٍ مِنْهَا عَمَلٌ يَخُصُّهُ مِنْ الْأَوْرَادِ فَلَا يَقْتَصِرُ فِي الْوَرْدِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، بَلْ كُلُّ أَفْعَالِ الْمُرِيدِ وِرْدٌ. قَدْ كَانَ السَّلَفُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَقُولُونَ جَوَابًا لِمَنْ طَلَبَ الِاجْتِمَاعَ بِأَحَدٍ مِنْ إخْوَانِهِ وَيَكُونُ نَائِمًا هُوَ فِي وِرْدِ النَّوْمِ. فَالنَّوْمُ وَمَا شَاكَلَهُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْرَادِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ وَقْتُ النَّوْمِ مَعْلُومًا كَمَا أَنَّ وَقْتَ وِرْدِهِ بِاللَّيْلِ يَكُونُ مَعْلُومًا وَكَذَلِكَ اجْتِمَاعُهُ بِإِخْوَانِهِ يَكُونُ مَعْلُومًا.

وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ مَعَ أَهْلِهِ وَخَاصَّتِهِ يَكُونُ مَعْلُومًا كُلُّ ذَلِكَ وِرْدٌ مِنْ الْأَوْرَادِ إذْ إنَّ أَوْقَاتَهُ مُسْتَغْرَقَةٌ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَأْتِي إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>