أَوْ لُقْمَتَيْنِ، أَوْ أَكْلَةً، أَوْ أَكْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ» انْتَهَى.
وَمَا ذَاكَ إلَّا لِقُوَّةِ بَاعِثِ الشَّهْوَةِ عَلَى الْخَادِمِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ بَيْنَ الْخَادِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَاشِرُ ذَلِكَ، أَوْ يَرَاهُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْأَكْلِ وَالْعَيْنَانِ تَنْظُرَانِ» حَتَّى لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ هِرٌّ، أَوْ كَلْبٌ فَقَدْ جَعَلَهُ الْعُلَمَاءُ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ مَنْ عَمِلَ لَهُ الطَّعَامَ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ فَلْيُنَاوِلْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَكُونُ مَا يُنَاوِلُهُ مِنْ أَوَّلِهِ لَا مَنْ فَضْلَتِهِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْأَكْلِ وَأَحَدٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ إذْ ذَاكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ قَلَّ إنْ سَلِمَ مِنْ وُجُودِ الْكِبْرِ، وَكَثِيرٌ مَنْ يَفْعَلُ الْيَوْمَ هَذَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الذُّبَابُ كَثِيرًا فَيَقُومُ شَخْصٌ عَلَى رُءُوسِ الْآكِلِينَ فَيَنُشُّ عَلَيْهِمْ وَيُرَوِّحُ وَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فَلْيَكُنْ فَاعِلُهُ جَالِسًا حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَمِنْ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ عَبْدَهُ، أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ كَائِنًا مَنْ كَانَ
[فَصْلٌ غَسَلَ الْيَد عِنْد الْأَكْلَ]
(فَصْلٌ)
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ يَدُهُ نَظِيفَةً أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ نَظِيفَةً فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْغَسْلِ، أَوْ التَّرْكِ، وَالْغَسْلُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْتِزَامَهُ أَعْنِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِهِ شَيْءٌ، أَوْ حَكَّ بَدَنَهُ، أَوْ مَسَّ عَرَقَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْغَسْلُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» يَعْنِي الْجُنُونَ وَيَنْوِي بِغَسْلِهِ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ لَهُ مِنْ الطَّعَامِ دَسَمٌ، فَإِنْ يَكُنْ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْغَسْلِ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَمَنْدَلُونَ بِأَقْدَامِهِمْ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى تَرْفِيعِهِمْ لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي الْيَدِ شَيْءٌ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ مَا تَمَنْدَلُوا بِالْأَقْدَامِ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَعْقِ الْيَدِ بَعْدَ الْأَكْلِ، أَوْ يُلْعِقُهَا أَخَاهُ، وَقَدْ «أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصْعَةً بَقِيَ لُعَاقُهَا قَالَ فَلَعِقْتُهَا فَشَبِعْت» ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ لَهُ، وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute