كَأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ وَأُمَنَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ السَّبِيلَ إلَى الصَّرْفِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِطَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَالِبِ بَلْ هُمْ خَزَنَةٌ لِغَيْرِهِمْ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [المنافقون: ٧] قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: خَزَائِنُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ أَيْدِي خَلْقِهِ. فَإِذَا كَانَ خِزَانَةً لِغَيْرِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ مِثْلَ الصَّانِعِ وَالْأَجِيرِ وَالْوَارِثِ أَعْنِي فِي أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمْ وَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِهَؤُلَاءِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ طَوْعًا أَمْ كَرْهًا وَعَلَامَةُ كَوْنِ الْمَالِ لِلشَّخْصِ تَسْلِيطُهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ وَقَعَتْ لَهُ الْبَرَكَةُ فَانْتَفَعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَانْتَفَعَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ بِمَا بَقِيَ لَهُمْ مَعَ الذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالْبَرَكَةِ فِيمَا بَقِيَ.
[فَصْلٌ فِي التاجر تَكُونَ السِّلَعُ فِي الْخَيْشِ فَيَشْتَرِيَهَا بِخَيْشِهَا]
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ السِّلَعُ فِي الْخَيْشِ فَيَشْتَرِيَهَا بِخَيْشِهَا وَيَحْسُبُ عَلَى الْخَيْشَةِ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً يَذْكُرُهَا لِلْبَائِعِ وَالْخَيْشَةُ دُونَ ذَلِكَ الْوَزْنِ، وَيَمْتَنِعُ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْ الْبَائِعِ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ فَيُضْطَرَّ الْبَائِعُ إلَى مُوَافَقَتِهِ لِئَلَّا تَبُورَ سِلْعَتُهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَوَاطُئِهِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ التُّجَّارِ مِمَّنْ يُرِيدُ شِرَاءَ تِلْكَ السِّلَعِ.
مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ الْخَيْشَةِ عَشْرَةَ أَرْطَالٍ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: إنَّمَا أَحْسُبُهَا عِشْرِينَ رِطْلًا، فَإِذَا بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ عَشْرَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْفُلْفُلِ مَثَلًا أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا مُقَابَلَةِ شَيْءٍ لِزِيَادَتِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ زَائِدًا عَلَى وَزْنِ الْخَيْشَةِ.
[فَصْلٌ التاجر إذَا أَعْجَبَتْهُ السِّلْعَةُ أَوْ وَقَعَ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ]
(فَصْلٌ) وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَعْجَبَتْهُ السِّلْعَةُ أَوْ وَقَعَ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ يُقَبِّحُهَا فِي عَيْنِ الْبَائِعِ وَيَذْكُرُ لَهُ عُيُوبًا لِيَبْخَسَهَا عِنْدَهُ بِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ مَعَ مَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يُنَفِّرَ الْمُشْتَرِيَ عَنْهَا فَيَجِدَ السَّبِيلَ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِمَا يَخْتَارُ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّحَيُّلِ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute