وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ كُلُّ مَا أَشْبَهَهُ مِثْلُ مَنْ يَكْتُبُ فِي وَرَقَةٍ أَوْ يَنْقُشُ فِي شَقَفَةٍ أَوْ فِي جِدَارٍ شَيْئًا بِلَفْظٍ لَا يُعْرَفُ وَيَزْعُمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْفَعُ السِّحْرَ أَوْ الْعَيْنَ أَوْ الْبَقَّ أَوْ الْبُرْغُوثَ أَوْ النَّمْلَ أَوْ الْحَيَّةَ أَوْ الْعَقْرَبَ أَوْ الْفَأْرَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ يَنْفَعُ لِمَا ذَكَرُوهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ.
[التَّدَاوِي بِالْيَسِيرِ مِنْ الْخَمْرِ]
وَقَدْ مَنَعَ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ التَّدَاوِي بِالْيَسِيرِ مِنْ الْخَمْرِ، وَكَذَلِكَ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» فَحُصُولُ الشِّفَاءِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ الْجَائِزِ اسْتِعْمَالُهَا مَظْنُونٌ فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شِفَاءٌ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا النَّفْثُ عَقِيبَ الرَّقْيِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَائِدَةُ النَّفْثِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْهَوَاءِ أَوْ النَّفَسِ الْمُبَاشِرِ لِلرُّقْيَةِ وَالذِّكْرِ الْحَسَنِ كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنْ الذِّكْرِ وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى.
وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْفُثُ إذَا رَقَى نَفْسَهُ وَكَانَ يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ الَّذِي يُعْقَدُ وَاَلَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ وَالْعَقْدُ عِنْدَهُ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ السِّحْرِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَرَصَ أَحَدَهُمْ ثُعْبَانٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَخَذُوا سِكِّينًا وَجَعَلُوهَا عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ السُّمُّ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِقَوْلِ الْمَلْسُوعِ وَيُمِرُّونَهَا عَلَى بَدَنِ الْمَلْسُوعِ إلَى مَوْضِعِ اللَّسْعَةِ وَيَتَكَلَّمُونَ حِينَئِذٍ بِكَلَامٍ أَعْجَمِيٍّ لَا يُعْرَفُ.
وَمِنْ ذَلِكَ الطَّاسَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا بَعْضُهُمْ أَوْ الْإِنَاءُ وَقَدْ صَوَّرُوا فِيهَا تَصَاوِيرَ مَمْنُوعَةً وَيَعْمَلُونَ فِيهَا الْمَاءَ وَيَسْقُونَهُ لِلْمَلْسُوعِ أَوْ مَنْ عَضَّهُ كَلْبٌ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَسُوغُ؛ لِأَنَّ التَّصَاوِيرَ مُحَرَّمَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ الشِّفَاءُ فِيهِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُقَى أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute