وَيَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ وُقُوفِهِمْ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةَ رَحِمكُمْ اللَّهُ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ الصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَعْهُودَةِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ قَدْ شَرَعَ لِلْمُكَلَّفِ حُضُورَ الصَّلَاةِ بِسَمَاعِهِ الْأَذَانَ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ. هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَقِيَ الْأَذَانُ الشَّرْعِيُّ كَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَهِدُوا ذَلِكَ يَتَّكِلُونَ عَلَى وُقُوفِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْغَالِبُ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَهْرَعُوا إلَى الْمَسْجِدِ لِاتِّكَالِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْحَدِيثِ فِي الدِّينِ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَارًّا فِي طَرِيقٍ بِالْبَصْرَةِ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَدَخَلَ إلَى الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ الْفَرْضَ فَرَكَعَ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي أَثْنَاءِ الرُّكُوعِ، وَإِذَا بِالْمُؤَذِّنِ قَدْ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ رَحِمَكُمْ اللَّهُ، فَفَرَغَ مِنْ رُكُوعِهِ وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ وَخَرَجَ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فِيهِ بِدْعَةٌ.
{فَصْلٌ} وَكَذَلِكَ يَنْهَاهُمْ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ قِرَاءَةِ {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: ٩٥] وقَوْله تَعَالَى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: ١١٠] عِنْدَ إرَادَتِهِمْ الْأَذَانَ لِلْفَجْرِ وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا بَرَكَةً وَخَيْرًا لَكِنْ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَضَعَ الْعِبَادَاتِ إلَّا حَيْثُ وَضَعَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ النِّدَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِمَا لَا يَنْبَغِي]
وَيَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ النِّدَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي فِيهَا التَّزْكِيَةُ وَالتَّعْظِيمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُزَكُّوا عَلَى اللَّهِ أَحَدًا» وَالْمَيْتُ مُضْطَرٌّ إلَى الدُّعَاءِ وَالتَّزْكِيَةُ ضِدُّ مَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ إذْ إنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابِهِ أَوْ تَوْبِيخِهِ فَيُقَالُ لَهُ أَهَكَذَا كُنْت وَقَدْ وَقَعَ هَذَا مِنْهُمْ كَثِيرًا فِي مَنَامَاتٍ رُئِيَتْ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute