للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَرْكُ الْبِدَعِ وَقِلَاهَا وَتَرْكُ الِالْتِفَاتِ لِمَنْ يَتَعَاطَاهَا أَوْ يَرْضَى بِهَا إذْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ زَمَانَ ذَلِكَ وَلَيْسَ ثَمَّ أَسْبَابٌ تُعِينُ عَلَيْهِ إلَّا فَضْلُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِعَدَمِ الْيَقِينِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ لَا يَسْكُنُونَ لِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاتِّبَاعِ وَلُزُومِ الْخَيْرِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَيْهِ حَتَّى يَرَوْا كَرَامَةً أَوْ رُؤْيَا مَنَامٍ وَكُلُّ ذَلِكَ مُهْمَلٌ يَحْتَمِلُ لِأَشْيَاءَ وَالِاتِّبَاعُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَهُوَ التَّوْفِيقُ؛ لِأَنَّهُ خُلْعَةٌ مُحَقَّقَةٌ خُلِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَرَاهَا إلَّا أَهْلُ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ

[فَصْلٌ تَرْبِيَة الْأَوْلَادِ وَحُسْن سِيَاسَتِهِمْ]

فَصْلٌ فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ وَمَشْيِهِمْ عَلَى قَانُونِ الشَّرِيعَةِ وَتَرْكِ مَا عَدَاهَا وَحُسْنِ السِّيَاسَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ مَرَاقِي الزُّلْفَى لَهُ.

اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ وَقَلْبَهُ الطَّاهِرَ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ نَقْشٍ وَقَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ بِهِ وَالْوَلِيِّ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُونَهُ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ أَوْلَى وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ وَيَحْفَظَهُ مِنْ الْقُرَنَاءِ السُّوءِ وَلَا يُعَوِّدَهُ التَّنَعُّمَ وَلَا يُحَبِّبَ إلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ فَيُضَيِّعَ عُمُرَهُ فِي طَلَبِهَا إذَا كَبُرَ وَيَهْلِكَ هَلَاكَ الْأَبَدِ.

بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ فَلَا يُشْغِلُ فِي حَضَانَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ إلَّا امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ مُتَدَيِّنَةٌ تَأْكُلُ الْحَلَالَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْحَاصِلَ مِنْ الْحَرَامِ لَا بَرَكَةَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَشْأَةُ الصَّبِيِّ عَجَنَتْ طِينَتَهُ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى مَا يُنَاسِبُ الْخَبَائِثَ وَمَهْمَا بَدَتْ فِيهِ مَخَايِلُ التَّمْيِيزِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ وَأَوَّلُ ذَلِكَ ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ فَإِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي

<<  <  ج: ص:  >  >>