تَأْتِيَ الْقَارُورَةُ فَإِنَّ الْوَاصِفَ وَالْمَرِيضَ قَدْ يُخْطِئَانِ وَالْقَارُورَةُ لَا تُخْطِئُ. فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ عَارِفًا اسْتَخْرَجَ مِنْ مَاءِ الْمَرِيضِ كُلِّيَّاتِ مَا هُوَ فِيهِ وَجُزْئِيَّاتِهِ حَتَّى إنَّهُ لَيَظْهَرُ لَهُ مِنْ مَائِهِ هَلْ هُوَ شَابٌّ أَوْ كَبِيرُ السِّنِّ أَوْ كَهْلٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ حَامِلٌ أَوْ غَيْرُ حَامِلٍ وَهَلْ هُوَ يَسْكُنُ فِي سُفْلٍ أَوْ عُلُوٍّ فَإِذَا كَانَ يَظْهَرُ لَهُ فِي مَاءِ الْمَرِيضِ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى السُّلَّمُ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَعْرِفَ مَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ خَلَطَ.
وَقَدْ كَانَ بِمَدِينَةِ فَاسَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ وَكَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا الْحَالُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّك إذَا أَتَيْت بِالْقَارُورَةِ إلَى الطَّبِيبِ وَنَظَرَ فِيهَا شَرَعَ يَسْأَلُ إذْ ذَاكَ عَمَّا يَشْكُو بِهِ الْمَرِيضُ فَلَا فَائِدَةَ إذَنْ فِي نَظَرِهِ إلَيْهَا بَلْ يَكُونُ الطَّبِيبُ يَحْكُمُ وَيَجْزِمُ بِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْمَاءِ يَشْكُو بِكَذَا وَكَذَا، وَكَانَ سَبَبُهُ كَذَا وَكَذَا، وَمُعَالَجَتُهُ كَذَا وَكَذَا، لَكِنَّ الْقَارُورَةَ لَهَا شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بَعْدَ انْتِبَاهِ الْمَرِيضِ مِنْ نَوْمِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَنَامُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّوْمِ فَأَوَّلُ مَا يَبُولُ مِنْ اللَّيْلِ. وَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَامِلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ مِنْ شُرُوطِهَا بِخِلَافِ مَا هُمْ يَفْعَلُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْقَارُورَةِ بَعْضَ الْمَاءِ وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يُظْهِرُ بِهِ الطَّبِيبُ أَمْرَ الْقَارُورَةِ فَلَا يُعَوِّلُ عَلَيْهَا فَإِذَا اجْتَمَعَ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَدَمُ الْمَاءِ عَلَى جِهَتِهِ وَعَدَمُ مَعْرِفَةِ الطَّبِيبِ بَقِيَ حَالُ الْمَرِيضِ مُتَزَايِدًا وَتَكْثُرُ عَلَيْهِ النَّفَقَاتُ وَيَطُولُ عَلَيْهِ الْأَمَدُ وَرُبَّمَا آلَ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ لِعَدَمِ الصَّنْعَةِ وَسُوءِ الْمُحَاوَلَةِ
[فَصَلِّ الأشتغال بِعِلْمِ الطِّبّ]
(فَصْلٌ) وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَمَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهَذَا الْعِلْمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِقِلَّةِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إنَّهُ لَيَكَادُ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ فَإِذَا اشْتَغَلَ طَالِبٌ بِهِ نَفَعَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَمَعَارِفَهُ وَإِخْوَانَهُ الْمُسْلِمِينَ وَبَقِيَ فِي قُرْبَةٍ نَفْعُهَا مُتَعَدٍّ وَأَنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute