وَتَعَالَى أَخْرَجَ لَهُ قُوتَهُ حِينَ كَانَ فِي الْمَهْدِ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَهُ وَيَعْبُدَهُ مِنْ بَيْنِ ثَلَاثِ مُحَرَّمَاتٍ: الدَّمِ، وَالْفَرْثِ، وَالْأُمِّ، فَبَعْدَ أَنْ عَرَفَهُ وَعَبَدَهُ يُطْعِمُهُ الْحَرَامَ مَعَاذَ اللَّهِ بَلْ يُخْرِجُ لَهُ رِزْقَهُ مِنْ وَسَطِ الْمُحَرَّمَاتِ حَلَالًا طَيِّبًا كَمَا أَخْرَجَهُ لَهُ أَوَّلًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ: إنَّ الْحَرَامَ لَمَّا أَنْ عَمَّ أَمْرُهُ اُضْطُرَّ الْمُؤْمِنُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَالْمَيْتَةِ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهَا.
وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَوْضَحُ وَأَظْهَرُ وَأَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ صَالِحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ مَرَاقِي الزُّلْفَى لَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ يَلْهَجُ بِهِ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ هُوَ حَدِيثًا إنَّمَا هُوَ كَلَامُ هَذَا الْعَالِمِ الْفَاضِلِ
[فَصْلٌ وَزَنَ طَحِينَ إنْسَانٍ فَنَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ وَزْنِهِ الْأَوَّلِ]
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا وَزَنَ طَحِينَ إنْسَانٍ فَنَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ وَزْنِهِ الْأَوَّلِ أَنْ يُكْمِلَهُ لَهُ مِنْ دَقِيقِ نَفْسِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْلِطَهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا نَقَصَ طَحِينُ شَخْصٍ كَمَّلَهُ لَهُ مِنْ طَحِينِ شَخْصٍ آخَرَ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ، وَالْعَجَبُ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الطَّحِينِ الَّذِي نَقَصَ طَحِينُهُ يَرَى ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَلَا يَزْجُرُهُمْ بَلْ يَأْخُذُهُ إذَا كَمَّلُوا لَهُ مِنْهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ إذَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْغَصْبِ وَلُحُوقِ الْإِثْمِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِحْلَالُ مِمَّنْ أَخَذُوا لَهُ مِنْ طَحِينِهِ أَوْ غَرَامَتُهُ لَهُ
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الطَّاحُونِ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِمَّا انْتَحَلَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَمْحَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَلَا يُعْطِيَهُمْ ثَمَنَهُ إلَّا دَقِيقًا مُقَسَّطًا. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى مَا حَصَلَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَعْتَبِرُ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقُوتَ أَوْلَى مَا يُحْتَاطُ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَطَاعَ اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى وَمَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ عَصَى اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute