للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ يُرِيدُ الِاسْتِغْنَاءَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَغَنَّيْت تَغَنِّيًا، وَتَغَانَيْت تَغَانِيًا بِمَعْنَى اسْتَغْنَيْت قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُعَاتِبُ أَخَاهُ:

كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ ... وَنَحْنُ إذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيًا

، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَرَرْت عَلَى عَجُوزٍ مِنْ الْعَرَبِ قَدْ اعْتَقَلَتْ شَاةً فِي بَيْتِهَا فَقُلْت لَهَا: مَا تُرِيدِينَ بِهَذِهِ الشَّاةِ قَالَتْ: نَتَغَنَّى بِهَا يَا هَذَا، تُرِيدُ نَسْتَغْنِي، وَقَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: مَنْ تَلَذَّذَ بِأَلْحَانِ الْقُرْآنِ حُرِمَ فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَنْتُمْ أَقْرَأُ أَلْسِنَةً، وَنَحْنُ أَقْرَأُ قُلُوبًا، وَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ نَحْنُ قَوْمٌ ثَقُلَتْ عَلَيْنَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَخَفَّ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِهِ، وَسَيَجِيءُ قَوْمٌ يَخِفُّ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَيَثْقُلُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَيَقْرَأَنَّ رِجَالٌ الْقُرْآنَ هُمْ أَحْسَنُ أَصْوَاتًا مِنْ الْمَعَازِفِ، وَمِنْ حُدَاةِ الْإِبِلِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَدْ أَمْعَنَ، وَأَجَادَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْجَلِيلُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَهُ أَتَمَّ بَيَانٍ، وَأَحْسَنَهُ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ لَهُ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ هُنَاكَ إذْ إنَّ هَذَا الْكِتَابِ يَضِيقُ عَمَّا أَتَى بِهِ، وَمَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ

[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

(فَصْلٌ) ، ثُمَّ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِمَّا اُشْتُهِرَتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ، وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» قَالَ: أَبُو جُحَيْفَةَ أَكَلْت ثَرِيدًا بِلَحْمٍ سَمِينٍ فَتَجَشَّيْت عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «اُكْفُفْ عَنَّا جُشَاءَك فَإِنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا» ، وَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «جَاءَتْ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْكِسْرَةُ؟ قَالَتْ: قُرْصٌ خَبَزْتُهُ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُك بِهَذِهِ الْكِسْرَةِ فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ أَوَّلُ طَعَامٍ دَخَلَ فَمَ أَبِيك مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» ، وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ لَوْ أَنَّ الْجُوعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>