ذَلِكَ حُكْمَ الْحَالِّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
[فَصْلٌ صِفَةِ السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْبَزُّ]
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مِثْلَ الْحَرِيرِ وَالْبَزِّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يُقَلِّبُهُ عَلَى مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي صِفَةِ السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْبَزُّ مِنْ كَوْنِهِمْ يَشْتَرُونَهُ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَقْتُ الْغَلَسِ لِتَحْسُنَ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لِتِلْكَ السِّلْعَةِ يُقَلِّبُهَا فِي الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا لَوَقَفَ بِذَلِكَ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهَا وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الذَّمِّ.
[فَصْلٌ كَثْرَةِ الْأَيْمَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الْأَيْمَانِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيْلٌ لِلتَّاجِرِ مِنْ تَاللَّهِ وَبِاَللَّهِ» هَذَا إذَا كَانَ حَلِفُهُ عَلَى حَقٍّ وَهُوَ مَذْمُومٌ كَمَا تَرَى فَكَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَحْلِفُونَ عَلَى تَحْسِينِ سِلَعِهِمْ وَقَدْ تَكُونُ عَلَى خِلَافِ مَا حَلَفُوا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ الْغَالِبُ إذْ إنَّهَا لِأَجْلِ تَحْسِينِ سِلَعِهِمْ وَتَزْيِينِهَا فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي وَتَغْبِيطِهِ بِهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَذْمُومٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَغِّبُ الْمُشْتَرِيَ فِي سِلْعَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ مَوْضِعَهَا الَّذِي أَتَيْت بِهَا مِنْهُ كَذَا وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِيهِ أَوْ قَلِيلَةٌ وَأَنَّهَا تُسَاوِي مِنْ الثَّمَنِ الْعَالِي فِي مَوْضِعِهَا كَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِالْجَهْدِ وَالْمُحَابَاةِ حَتَّى بَاعَهَا لِي. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَوَائِدِهِمْ الَّتِي لَا يَنْحَصِرُ تَفْصِيلُهَا.
وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالطَّلَاقِ فَهُوَ أَقْبَحُ وَأَشْنَعُ لِوُقُوعِهِ فِي النَّهْيِ الصَّرِيحِ.
لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّلَاقِ، وَلَا بِالْعَتَاقِ فَإِنَّهَا أَيْمَانُ الْفُسَّاقِ» فَيَدْخُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَحْتَ عُمُومِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْتَحِقُ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ امْتَحَقَتْ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ غَالِبًا؛ وَلِأَجْلِ هَذَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute