للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ وَهُوَ حَارٌّ حَتَّى تَشْبَعَ ثُمَّ نَمْ - فَفَعَلَ فَوَجَدَ الْعَافِيَةَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ كَانَتْ مُرَبَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ سُلْطَانًا. وَقَدْ نَطَقَ الْحَدِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ «وَأُعْطِ كُلَّ جَسَدٍ مَا عَوَّدْته» وَقَدْ تَقَدَّمَ

[فَصْلٌ الطَّبِيبُ إذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ عَافِيَةُ الْمَرِيضِ]

(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ إذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ عَافِيَةُ الْمَرِيضِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلْيَسْأَلْ عَنْ وَالِدَيْ الْمَرِيضِ فَيَطْلُبْهُ بِمُقْتَضَى حَالِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْضًا سَبَبٌ لِلْعَافِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُرَبَّى الْمَرِيضِ.

وَقَدْ جَرَى فِي إفْرِيقِيَّةَ فِي أَيَّامِ الْمَلِكِ الْمُسْتَنْصِرِ أَنَّ مَلِكَ الْفِرِنْجِ بِصِقِلِّيَّةَ أَرْسَلَ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ طَبِيبًا حَاذِقًا عَارِفًا وَذَكَرَ أَنَّ وَلَدَهُ مَرِيضٌ وَقَدْ عَجَزَ الْأَطِبَّاءُ الَّذِينَ عِنْدَهُ عَنْ بُرْئِهِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ طَبِيبًا عَلَى مَا طَلَبَ فَلَمَّا أَنْ وَصَلَ اجْتَمَعَ الْأَطِبَّاءُ مَعَهُ عِنْدَ الْمَرِيضِ فَأَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ لَهُ كَذَا فَقَالُوا: عَمِلْنَاهُ فَقَالَ: كَذَا وَكَذَا، إلَى أَنْ فَرَغَتْ الْأَدْوِيَةُ الَّتِي تَدَاوَى بِهَا ذَلِكَ الْمَرِيضُ فَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ثُمَّ إنَّ الطَّبِيبَ أَرْسَلَ إلَى أُمِّ الْمَرِيضِ وَهُوَ يَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَجْتَمِعَ بِك دُونَ ثَالِثٍ، فَفَعَلَتْ؛ فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت تُرِيدِينَ عَافِيَةَ وَلَدِك فَأَخْبِرِينِي ابْنُ مَنْ هُوَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ أَبُوهُ لَا يَسْتَرِيحُ؟ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَاهُ بَدْوِيٌّ كَانَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَعْجَبَهَا فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَحَمَلَتْ بِذَلِكَ الْوَلَدِ فَقَالَ لَهَا: قَدْ اسْتَرَاحَ وَلَدُك، فَأَرْسَلَ إلَى الْمَلِكِ الْمُسْتَنْصِرِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ لَهُ جَمَلًا صَغِيرًا يَقْرُبُ مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ فَقَالَ الْمُسْتَنْصِرُ إذْ ذَاكَ عَجَبًا: مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا الْبَدْوِيُّ؟ فَلَمَّا أَنْ وَصَلَ الْجَمَلُ إلَى الطَّبِيبِ نَحَرَهُ وَشَوَى مِنْهُ شَيْئًا بَيْنَ يَدَيْ الْمَرِيضِ وَشَمَّمَهُ إيَّاهُ وَأَطْعَمَهُ مِنْهُ فَاسْتَقَلَّ مِنْ مَرَضِهِ وَوَجَدَ الْعَافِيَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الطِّبِّ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهِ

[فَصْلٌ عَلَى الطَّبِيبِ النَّظَرُ فِي الْقَارُورَةِ]

(فَصْلٌ) وَآكَدُ مَا عَلَى الطَّبِيبِ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي الْقَارُورَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ قَبْلُ تَخْمِينٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَرَضِ وَالْقَارُورَةُ أَبْيَنُ مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا لَوْنًا إلَّا الْمَاءَ، فَإِنَّهُ عَزَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>