مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ.
وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تُوُفِّيَتْ لَيْلًا: أَفَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تُؤَذِّنُوا بِي أَحَدًا إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، وَقَدْ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ» وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ سَدِّ مَخَارِجِهِ وَإِرْسَالِ الْقُطْنِ مَعَهُ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي فِعْلِ هَذَا مُحَرَّمَاتٍ أُخَرَ مِنْهَا هَتْكُ حُرْمَةِ الْمُؤْمِنِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُرْسِلُونَ مَعَهُ الْقُطْنَ فِي فَمِهِ وَيُدْخِلُونَهُ إلَى حَلْقِهِ وَيُرْسِلُونَهُ مَعَهُ بِعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَمْلَئُوا حَلْقَهُ بِالْقُطْنِ وَيَنْزِلَ ذَقَنُهُ إلَى أَسْفَلَ وَيَطْلُعَ أَنْفُهُ إلَى فَوْقَ، وَيَمْلَئُونَ فَمَه وَشَدْقَيْهِ بِالْقُطْنِ فَيَبْقَى مُثْلَةً لِلنَّاظِرِ.
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي أَنْفِهِ فَيُرْسِلُونَ فِيهِ الْقُطْنَ حَتَّى يَتَعَاظَمَ أَنْفُهُ ثُمَّ يَفْعَلُونَ فِعْلًا قَبِيحًا فَيُرْسِلُونَ الْقُطْنَ فِي دُبُرِهِ بِعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَذَا فِعْلٌ قَبِيحٌ شَنِيعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الشَّارِعَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ أَمَرَنَا بِغُسْلِ الْمَيِّتِ إكْرَامًا لِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ فِي الْقَبْرِ وَهُمْ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا ذُكِرَ، فَإِذَا جَاءُوا بِهِ إلَى الْقَبْرِ أَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْهُ يَخْرُجُ الْقُطْنُ وَهُوَ مُلَوَّثٌ بِالْفَضَلَاتِ فِي الْغَالِبِ وَيَبْقَى الْفَمُ مَفْتُوحًا لَا يُمْكِنُ غَلْقُهُ، ثُمَّ إنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَالْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ، وَهُمْ يُبْقُونَ ذَلِكَ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ فِي الْغَالِبِ، فَذَهَبَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أَمَرَنَا الشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْإِكْرَامُ بِغُسْلِهِ لِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ.
ثُمَّ الْعَجَبُ فِي كَوْنِهِمْ يَأْتُونَ بِمَاءِ الْوَرْدِ فَيَسْكُبُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ، وَهَذِهِ أَيْضًا بِدْعَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الطِّيبَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْغُسْلِ لَا فِي الْقَبْرِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ طِيبٌ وَنَجَاسَةٌ.
[فَصْلٌ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ]
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِدْعَةٌ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute