أَنَّهُ قَالَ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَجَمِّرُوهَا أَيَّامَ جُمَعِكُمْ وَاجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ» وَقَدْ كَثُرَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ وَالْخُصُومَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ فِي هَذَا الزَّمَانِ حَتَّى إنَّ الْخَطِيبَ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ مَا يَقُولُ لِكَثْرَةِ غَوْغَائِهِمْ إذْ ذَاكَ.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ عَلَيْهِمْ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّصْفِيقِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ، إذْ إنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ قَبِيحٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَهَذَا كُلُّهُ سَبَبُهُ السُّكُوتُ عَمَّا أُحْدِثَ فِي الدِّينِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثُ نَفَرٍ فَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِلَغْوٍ فَذَلِكَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِدُعَاءٍ فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ لَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] »
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ تَفْرِيقِ الرَّبْعَةِ حِينَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْأَذَانِ قَامَ الَّذِي فَرَّقَهَا لِيَجْمَعَ مَا فُرِّقَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ فَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ بِسَبَبِ أَخْذِهَا مِنْهُمْ، وَهَذَا فِيهِ مَحْذُورَاتٌ جُمْلَةٌ مِنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلسَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إذْ إنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ فِيهِ تَخَطِّيَ رِقَابَ النَّاسِ حِينَ ارْتِصَاصِهِمْ لِانْتِظَارِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّ فَاعِلَهُ مُؤْذٍ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ كُلَّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ يُعْطِي الْخَتْمَةَ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ خَجَلٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ أَذِيَّةٌ وَصَلَتْ عَلَى يَدِهِ لِمُسْلِمٍ كَانَ عَنْهَا فِي غِنًى.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ يَنْسَى بَعْضَ الْأَجْزَاءِ فَلَا يَأْخُذُهُ فَيَضِيعُ عَلَى الْوَقْفِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَيَكْتُمُهُ لِتَسَاهُلِهِمْ فِي الْوَقْفِ، فَقَدْ يَخْفَى وَيَخْتَارُ أَنْ يَخْتَصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute