الْفُقَهَاءِ.
فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا: أَنَّ وَاجِدَهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا التَّعَبَ وَإِشْغَالَ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ كَانَتْ عَنْهُ فِي غِنًى وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْفِرَارُ مِنْ هَذَا، وَمَا شَاكَلَهُ إذْ إنَّ غَنِيمَةَ الْمُسْلِمِ إنَّمَا هِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَمَنْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ قَلَّ أَنْ يَتَخَلَّصَ فَالسَّعِيدُ مَنْ لَجَأَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْكَرِيمُ الْمَنَّانُ اللَّطِيفُ الرَّحْمَنُ
[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]
(فَصْلٌ) : وَأَمَّا الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ فَهُوَ مِنْ الْبَاطِلِ الْبَيِّنِ، وَالْغِشِّ الْمُتَعَدِّي ضَرَرُهُ لِأَهْلِ زَمَانِهِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهَا فَقَدْ خَلَطَ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ، وَبَخَسَهَا عَلَيْهِمْ إذْ إنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي فِعْلِهَا.
فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهَا، وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ بَعْدَ زَمَانٍ، وَذَلِكَ الزَّمَانُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ، وَيَغِشُّ النَّاسَ بِهَا فَيُشْغِلُونِ ذِمَّتَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ سُحْتٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَلَوْ قَدَّرْنَا عَدَمَ تَغْيِيرِهَا فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ الْمَعْدِنِيَّ، وَالْفِضَّةَ الْمَعْدِنِيَّةَ يَنْفَعَانِ لِأَمْرَاضٍ، وَلَهُمَا خَاصِّيَّةٌ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَغَيْرُهُمَا يَعُودُ بِالضَّرَرِ عَلَى الْمَرِيضِ فَيَزِيدُهُ مَرَضًا أَوْ يَمُوتُ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَعْدِنِيِّ عَقَاقِيرُ قَدْ يُسْقِمُ بَعْضُهَا، وَقَدْ يَقْتُلُ بَعْضُهَا فَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَنْ تَعَاطَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَدِمَائِهِمْ، وَقَدْ سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ صَرْفَهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَلَيْسَتْ بِمَعْدِنِيَّةٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إجَازَةِ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَيَانِ لَا يَسُوغُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ هُوَ فَمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُبَيِّنُ، وَالِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا مُتَعَذِّرٌ.
هَذَا وَجْهٌ وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ صَنْعَةِ يَدِهِ تَمَزَّقَ عِرْضُهُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَى سَفْكِ دَمِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُعْدَلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْءٌ. فَإِذَا سَلِمَ مِنْ الِاتِّصَافِ بِطَلَبِ الْمَطَالِبِ، وَالْكِيمْيَاءِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ خَلْطَةِ مَنْ يَتَعَانَى ذَلِكَ أَوْ يُشَارُ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute