للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحْمَةِ وَيُحْسِنُ ظَنَّهُ بِمَوْلَاهُ الْكَرِيمِ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الشَّرِيفَةِ وَيَدْعُو بِالْأَلْفَاظِ اللَّائِقَةِ بِحَالِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣] {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: ١٤٧] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِذُرِّيَّتِهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلْيَحْذَرْ مِنْ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّنْمِيقِ فِي أَلْفَاظِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْخُشُوعِ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَالْمَحَلُّ مَحَلُّ خُضُوعٍ وَانْكِسَارٍ وَذَلِكَ يُنَافِيهِ.

[فَصْلٌ مَا يَفْعَل بَعْد الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَةَ]

{فَصْلٌ} فَإِذَا دُفِعَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلْيَمْشِ الْهُوَيْنَا وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَالْخُشُوعُ، وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مِنْ بَيْنِ الْعَلَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا جُعِلَا عَلَمًا عَلَى حَدِّ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَيِّ نَوَاحِيهَا شَاءَ فَلَا حَرَجَ. فَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَّا مِنْ بَيْنِ الْعَلَمَيْنِ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَجَّ لَهُ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الزَّحْمَةُ الْعَظِيمَةُ وَالضَّرَرُ الْكَثِيرُ لِلنَّاسِ سِيَّمَا الضُّعَفَاءُ وَالْمُشَاةُ وَرُبَّمَا يَنْكَسِرُ بَعْضُ الْمَحَارِّ وَالْحُجُفِ هُنَاكَ وَيَقَعُ بَعْضُ الرُّكْبَانِ وَيَقَعُ بَيْنهمْ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ بِالسِّبَابِ وَالشَّتْمِ وَمَا لَا يَلِيقُ عَقِبَ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْمُعَظَّمِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِيَسْلَمَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَالثَّانِي: لِيَعْلَمَ مَنْ يَرَاهُ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ.

وَصِفَةُ الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُفِعَ، وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ وَقَدْ شُنِقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامُ حَتَّى أَنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>