للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا، وَهِيَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الرُّكُوعِ وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ. وَكَذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ سِرًّا وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَحَضْرَةِ الْقِتَالِ لِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ إلَى الصَّلَاةِ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ فِي التِّلَاوَةِ وَقَفَ وَسَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ وَقَفَ وَاسْتَجَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا الدُّعَاءُ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ كُلُّ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ وَإِظْهَارًا لِلْفَاقَةِ وَالِاحْتِيَاجِ وَالِاضْطِرَارِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ رَاضٍ عَنْ رَبِّهِ يَخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ مَوْلَاهُ لَهُ وَلَا يَسْكُنُ إلَى غَيْرِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَهَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ مُرَاعَاةِ الْأَدَبِ الْمَشْرُوعِ فِي الدُّعَاءِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِبَ رَفْعَ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَعْقِرُ حَلْقَهُ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا» وَمِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَدْعُو بِصَوْتٍ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا تُقَلِّصُوا تَقْلِيصَ الْيَهُودِ فَقِيلَ لَهُ مَا أَرَادَ بِتَقْلِيصِ الْيَهُودِ قَالَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠] نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّمَا أُنْكِرَ الْكَثِيرُ مِنْهُ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ، وَأَمَّا رَفْعُهَا إلَى اللَّهِ عِنْدَ الرَّغْبَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِكَانَةِ فَصِفَتُهُ أَنْ تَكُونَ ظُهُورُهُمَا إلَى الْوَجْهِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: ٩٠] أَنَّ الرَّغَبَ تَكُونُ بُطُونُ الْأَكُفِّ إلَى السَّمَاءِ وَالرَّهَبُ بُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُشُوعِ وَالْحُضُورِ إذْ ذَاكَ تَسَبَّبَ فِي حُصُولِهِ بِاسْتِدْعَاءِ بَوَاعِثِهِ وَاسْتِجْلَابِ دَوَاعِيهِ وَالِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ. فَمِنْ بَوَاعِثِهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ ذُنُوبَهُ وَمَا ارْتَكَبَ مِنْ قُبْحِ عَمَلِهِ حَتَّى يَنْدَمَ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى حَدِّ الْقُنُوطِ وَيَذْكُرُ الْخَوْفَ مَعَ الرَّجَاءِ وَسَعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>