فَيُخَالِفُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ بِالْإِبْطَاءِ عَمَّا تُحِبُّهُ وَتَشْتَهِيهِ وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ إلَى الْأَهْلِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الْحُكْمَ بِفِعْلِهِ وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّ سُرْعَةَ الْأَوْبَةِ تَكُونُ بَعْدَ زِيَارَةِ الْمَرْءِ بَيْتَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَطَّارُ مِنْ تَحْسِينِ النِّيَّةِ وَالْآدَابِ]
قَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ تَاجِرِ الْبَزِّ مَا تَقَدَّمَ فَفِي الْعَطَّارِ مِثْلُهُ أَعْنِي فِي بَيْعِهِ السِّلَعَ الَّتِي فِي دُكَّانِهِ فَيَجْتَنِبُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ بِبَيَانِهَا لِلْمُشْتَرِي حِينَ شِرَائِهَا مِنْهُ.
ثُمَّ إنَّ الْعَطَّارَ لَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ أَحَدِ قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ الْكَارِمِ. أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصِ نِيَّتِهِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى لَا غَيْرَهُ إذْ إنَّ أَكْثَرَ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُحَاوَلَةِ مَا هُوَ يُحَاوِلُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعَطَّارِينَ الضُّعَفَاءِ إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الزَّبَادِ أُوقِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا أَوْ مِنْ الْمِسْكِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ حَالِ تِلْكَ السِّلْعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْ الْكَارِمِ فِي الْغَالِبِ فَيَكُونُ هُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ التَّيْسِيرَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.
مِثَالُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمِسْكِ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مِنْ الزَّبَادِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ السِّلَعِ فَيَبِيعُهُ هُوَ فِي دُكَّانِهِ بِالْخَمْسَةِ دَرَاهِمِ وَالْعَشَرَةِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ فَهَذَا الْفِعْلُ يَكُونُ مُعِينًا فِيهِ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَإِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَوْنِ هَذَا الْعَبْدِ بِسَبَبِ إعَانَتِهِ الْوَاحِدَ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ السِّلَعِ عَلَى قَدْرِ قِلَّتِهَا أَوْ كَثْرَتِهَا، وَبِذَلِكَ تَكْثُرُ الْحَسَنَاتُ وَيَزِيدُ الثَّوَابُ فَمَا بَالُك بِإِعَانَتِهِ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغْتَنِمَ مَا سِيقَ لَهُ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute