وَالضَّرُورَةُ لَهَا أَحْكَامٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ، وَالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ، وَهُوَ الْغَالِبُ فَإِذَا رَآهُ أَحَدٌ فَقَدْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَقَاوَتِهِ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إنْ رَأَى خَيْرًا فَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِنْ رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ وَلَا يَبُوحُ بِهِ لِأَحَدٍ.
[غُسْلُ الْمَيِّتِ]
وَغُسْلُ الْمَيِّتِ مِنْ أَحَدِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْحَيِّ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَرْبَعًا: غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، وَالْغُسْلُ أَوَّلُهَا، وَكَيْفِيَّتُهُ كَكَيْفِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ إلَّا أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ يَتَوَلَّاهُ الْحَيُّ بِنَفْسِهِ غَالِبًا وَهَذَا يُغَسِّلُهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَرَائِضُهَا وَسُنَنُهَا وَفَضَائِلُهَا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِغُسْلِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ فَيُبَاشِرُ مَحَلَّ النَّجْوِ بِخِرْقَةٍ غَلِيظَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الصُّوفِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ فَيَعْرُكُ بِهَا الْمَوْضِعَ، وَمَنْ يُعِينُهُ يَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْخِرْقَةَ غَسْلًا جَيِّدًا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُعِيدُ غَسْلَ الْمَحَلِّ، وَهُوَ يَعْرُكُ بِهَا حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ وَتَنَظَّفَ فَحِينَئِذٍ يُفِيضُ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْقَرَاحَ مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي بَدَنِهِ فَمَهْمَا شَعَرَ بِنَجَاسَةٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ مِنْهُ غَسَلَهَا عَنْهُ، وَالْبَخُورُ إذْ ذَاكَ حَاضِرٌ يُبَخَّرُ بِهِ لِئَلَّا تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَالْمَيِّتُ يَكْرَهُ أَنْ يُشَمَّ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ، ثُمَّ يُقْعِدُهُ وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا، وَمَنْ يُعِينُهُ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حِينَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ وَيُزَادُ فِي الْبَخُورِ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَكْثَرَ مِمَّا قَبْلَهُ حَتَّى إذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ أَنْقَى جَسَدَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَأَعَادَ غَسْلَ الْمَحَلِّ مِنْ النَّجَاسَةِ بِخِرْقَةٍ أُخْرَى أَوْ بِهَا بَعْدَ غَسْلِهَا وَتَطْهِيرِهَا وَتَنْظِيفِهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَحَلِّ نَجَاسَةٌ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهَا إلَّا بِمُبَاشَرَتِهَا بِالْيَدِ هَلْ يُبَاشِرُهَا بِيَدِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ يَتْرُكُهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُزِيلَهَا بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهَا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَيِّتِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute