بَيْنَهُمَا، وَلِسَانُ الْعِلْمِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ، وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا وَيَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْهَدَايَا، وَقَدْ سُومِحَ فِي ذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ مَشَوْا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْهَدَايَا الشَّرْعِيَّةِ لَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ضِدَّ ذَلِكَ لِطَلَبِهِمْ الْعِوَضَ، فَإِنَّ الدَّافِعَ يَتَشَوَّفُ لَهُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يَحْرِصُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ، فَخَرَجَ بِالْمُشَاحَّةِ مِنْ بَابِ الْهَدَايَا إلَى بَابِ الْبِيَاعَاتِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالْعَالِمُ أَوْلَى مَنْ يُنَبِّهُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ
[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]
ِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّزَ فِي نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْقَوْلِ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ طَبِيبًا لِمَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ فَمَرِضَ الْمَلِكُ مَرَضًا شَدِيدًا وَكَانَ الْيَهُودِيُّ لَا يُفَارِقُ عِيدَهُ، فَجَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَرَادَ الْيَهُودِيُّ أَنْ يَمْضِيَ إلَى سَبْتِهِ فَمَنَعَهُ الْمَلِكُ فَمَا قَدَرَ الْيَهُودِيُّ أَنْ يَسْتَحِلَّ سَبْتَهُ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ سَفْكَ دَمِهِ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ إنَّ الْمَرِيضَ لَا يُدْخَلُ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَتَرَكَهُ الْمَلِكُ وَمَضَى لَسَبْتِهِ، ثُمَّ شَاعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْبِدْعَةُ، وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَعْتَمِدُونَهَا حَتَّى أَنِّي رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ يَنْسِبُهَا إلَى السُّنَّةِ وَيَسْتَدِلُّ بِزَعْمِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ الْقُبُورَ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَخَذَ مِنْ هَذَا بِزَعْمِهِ أَنَّ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ يَوْمَ السَّبْتِ تَفَاؤُلًا عَلَى مَوْتِ الْمَرِيضِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّفَاؤُلِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا، وَالْمُسْلِمُونَ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ
. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ فِي نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْقَوْلِ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَيْضًا وَهِيَ أَنَّ مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَا بُدَّ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute