النَّارُ بَطْنَك» .
فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَاءٌ يُشْرَبُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَوْلُ، وَهُوَ إذَا شُرِبَ عَادَ بِالضَّرَرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: صِحَّةٌ لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ بَوْلِ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِخْبَارًا وَذَلِكَ بِخِلَافِ شُرْبِ الْمَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا اللَّفْظُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْطِنِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِدْعَةً، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلَ الْآدَابَ مَعَهُمْ حَتَّى يَحُوزَ فَضِيلَةَ الِاتِّبَاعِ وَالسَّبَقِ فَيُقَدِّمُ لَهُمْ نِعَالَهُمْ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ وَيَمْشِي مَعَهُمْ خُطُوَاتٍ لِتَوْدِيعِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ «ثَلَاثٌ مُحَقَّرَاتٌ أَجْرُهُنَّ كَبِيرٌ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى يَدِ أَخِيكَ حَتَّى يَغْسِلَهَا وَتَقْدِيمُ نَعْلِهِ إذَا خَرَجَ وَإِمْسَاكُ الدَّابَّةِ لَهُ حَتَّى يَرْكَبَهَا» فَيَحْصُلُ لَهُ فِي هَذَا الْخَيْرُ الْعَظِيمُ فَيَكُونُ مُتَّصِفًا بِالِاتِّبَاعِ مَعَ حُصُولِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْإِخْوَانِ، وَهَذِهِ مِنْ أَكْمَلِ الْحَالَاتِ.
هَذَا حَالُ الْعَالِمِ مَعَ الضَّيْفِ.
وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا دُعِيَ الْعَالِمُ إلَى دَعْوَةٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَارِعَ إلَى الدَّعَوَاتِ كُلِّهَا مَا خَلَا دَعْوَةَ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْكَرٌ بَيِّنٌ وَهُوَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ، فَإِنْ أُهْدِيَ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَنْظُرْ فِي ذَلِكَ بِلِسَانِ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ، فَلِسَانُ الْعِلْمِ مَعْرُوفٌ، وَكَذَلِكَ الْوَرَعُ، وَالْوَرَعُ أَعْلَى وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَيِّهِمَا يَسْلُكُ، وَلَهُ فِي الْعِلْمِ سَعَةٌ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْوَرَعُ، وَيَنْظُرُ فِي سَبَبِ صَاحِبِ الطَّعَامِ، فَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا بِلِسَانِ الْعِلْمِ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا قَامَ عَلَيْهِ بِسَطْوَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَزَجَرَهُ وَأَخْبَرَهُ بِمَا فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَيَتَلَطَّفُ لَهُ فِي الْجَوَابِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ هَذِهِ الْعَادَةِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي أُحْدِثَتْ وَهِيَ أَنْ يُهْدِيَ أَحَدُ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ طَعَامًا فَلَا يُمْكِنُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْوِعَاءَ فَارِغًا حَتَّى يَرُدَّهُ بِطَعَامٍ، وَكَذَلِكَ الْمُهْدِي إنْ رَجَعَ إلَيْهِ الْوِعَاءُ فَارِغًا وَجَدَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ وَكَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمُهَادَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute