للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَعُبُّهُ عَبًّا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَيُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدُهُ فِي آخِرِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ الْعَبِّ وَالْمَصِّ وَيَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ وَيُسِرُّ بِالتَّحْمِيدِ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَخْذِ فِي الْأَكْلِ، بِخِلَافِ التَّحْمِيدِ جَهْرًا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بَعْدُ، وَأَمَّا فِي شُرْبِ الْمَاءِ فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ أَسَرَّ لَكِنَّ الْعَالِمَ الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى لِيُقْتَدَى بِهِ.

وَيَنْبَغِي لِلْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يَرْفَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَدَهُ قَبْلَ أَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَحْمَدُ جَهْرًا كَمَا تَقَدَّمَ إذْ فِي ذَلِكَ تَنْفِيرٌ لَهُمْ عَمَّا هُمْ بِصَدَدِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِمَا وَرَدَ مِنْ نَهْيِ الشَّارِعِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ وَكَفَى بِهِ.

وَالثَّانِي: خَشْيَةَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْإِنَاءِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَيَتَأَذَّى بِهَا الشَّارِبُ وَلَهُ أَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ لَهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَشَرِبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ أَحَدَكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا، وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ» .

وَيَنْبَغِي إنْ كَانَ فِي كُوزٍ ثُلْمَةٌ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِ الْوَسَخِ، وَقَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ نَاحِيَةِ أُذُنِ الْكُوزِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ فِي السَّقْيِ بِأَفْضَلِهِمْ، ثُمَّ يَدُورُ عَلَى يَمِينِهِ وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ بَعْضُ مَنْ يَحْتَرِمُونَهُ قَامُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ شُرْبِهِ فَيَنْحَنُونَ لَهُ وَيُقَبِّلُونَ أَيْدِيَهُمْ وَبَعْضُهُمْ يَقُومُونَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الشُّرْبِ وَيَفْعَلُونَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبَعْضُهُمْ يَقُومُونَ نِصْفَ قَوْمَةٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، أَوْ أَكْثَرَ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى الْأَرْضِ بِالتَّقْبِيلِ وَقَوْلِهِمْ صِحَّةٌ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَفِيهِ التَّشَبُّهُ بِالْأَعَاجِمِ وَبَعْضُهُمْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لِمَنْ يَفْرُغُ مِنْ الشُّرْبِ صِحَّةٌ وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ دُعَاءً حَسَنًا فَاِتِّخَاذُهُ عَادَةً عِنْدَ الشُّرْبِ بِدْعَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُمِّ أَيْمَنَ لَمَّا أَنْ شَرِبَتْ بَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صِحَّةٌ يَا أُمَّ أَيْمَنَ لَنْ تَلِجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>