للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَخْذِ الْحُطَامِ عُكِسَ الْحَالُ؛ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَوْ دَخَلَهُمْ الْوِسْوَاسُ فِي أَمْرِ الْقُوتِ دُونَ الطَّهَارَةِ لَكَانَ أَنْجَحَ وَأَوْلَى بَلْ أَوْجَبَ؛ لِأَنَّهُ مَاشٍ عَلَى قَانُونِ الِاتِّبَاعِ أَوْ كَمَا كَانَ يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِلزَّارِعِ أَنْ يَتْرُكَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ مِنْ الزَّكَاةِ لِقَوْلِ أَحَدٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ امْتَحَقَتْ الْبَرَكَاتُ وَذَهَبَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ الْخَرَاجَ وَيُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَنْهُ وَعَمَّا فَضَلَ فَبِذَلِكَ تَكْثُرُ الْبَرَكَةُ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَتَحْصُلُ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى السُّنَّةِ.

[إجَارَةِ الْأَرْضِ]

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ.

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ - أَنَّهُ تَجُوزُ إجَارَتُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ - أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِمَا تُنْبِتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا مِثْلَ الْخَشَبِ وَالصَّنْدَلِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ - أَنَّهُ إنْ زَرَعَ فِيهَا الْحِنْطَةَ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ فِي إجَارَتِهَا الْعَدَسَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَطَّانِيِّ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ جُهْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَرَكَةِ وَنَجَاحِ السَّعْيِ سِيَّمَا فِي الْقُوتِ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَكَفَى بِهَا مِنَّةٌ وَيَسْقُطُ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَنْهُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا - عَدَمُ رَيِّهَا.

وَالثَّانِي - اسْتِئْجَارُهَا حِينَ يَفْرُغُ أَوَانُ الزِّرَاعَةِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ وَأَعَمِّهَا نَفْعًا فَيَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا قَبْلَ غَيْرِهَا لِيَحُوزَ الْمَرْءُ فَضِيلَتَهَا وَيَغْتَنِمَ بَرَكَتَهَا؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالِامْتِثَالِ وَالِامْتِثَالُ إنَّمَا يَقَعُ بِالْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالسُّؤَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ كُلُّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ مَعَ وُجُودِ السَّلَامَةِ فِي الدِّينِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ.

وَأَمَّا مَعَ تَوَقُّعِ ضِدِّ ذَلِكَ فَتَرْكُهُ إذَنْ مُتَعَيَّنٌ وَلَهُ فِي غَيْرِ الزِّرَاعَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ سَعَةٌ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>