للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

فَصْلٌ) : قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّقَلِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِخْوَانُ أَرْبَعَةٌ: أَخٌ كَالدَّوَاءِ، وَأَخٌ كَالْغِذَاءِ، وَأَخٌ كَالدَّاءِ، وَأَخٌ كَالدِّفْلَى. فَالْأَوَّلُ مَعْدُومٌ، وَالثَّانِي مَفْقُودٌ، وَالثَّالِثُ مَوْجُودٌ، وَالرَّابِعُ مَشْهُودٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ كَالدَّوَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ أَهَّلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِتَرْبِيَةِ الْمُرِيدِينَ، وَكَالصُّلَحَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ فَهُمْ قُدْوَةٌ لِلْمُقْتَدِينَ، وَمُجَالَسَتُهُمْ تَشْفِي الْأَسْقَامَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقَدْ كَانَ الْمُرِيدُونَ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ يَدْخُلُونَ إلَى خَلَوَاتِهِمْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ عَجْزٌ أَوْ كَسَلٌ خَرَجُوا إلَى مَجْلِسِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخِ فَتَنْتَعِشُ قُوَاهُمْ بِسَمَاعِ كَلَامِهِ وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُ، وَيَمُدُّهُمْ بِهِمَّتِهِ فَيَتَغَذَّوْنَ بِذَلِكَ، وَيَرْجِعُونَ إلَى خَلَوَاتِهِمْ أَنْشَطَ مَا كَانُوا أَوَّلًا فَهُمْ دَوَاءٌ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَأَنْتَ تَرَى تَعَذُّرَ هَذَا الزَّمَانِ غَالِبًا مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.

وَأَمَّا الَّذِي هُوَ كَالْغِذَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَخِ فِي اللَّهِ تَعَالَى الْمُشْفِقِ الْوَدُودِ الْحَنُونِ الَّذِي يُؤْلِمُهُ مَا يُؤْلِمُك، وَيَسُرُّهُ مَا يَسُرُّك، وَيُجَوِّعُ نَفْسَهُ لِجُوعِك، وَيَتَعَرَّى لِعُرْيِك، وَيُكَابِدُ مَا نَزَلَ بِك أَكْثَرَ مِنْ مُكَابَدَةِ مَا نَزَلَ بِهِ، وَأَنْتَ تَرَى فَقْدَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكِنَّ بَيْنَ الْفَقْدِ وَالْعَدَمِ فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ، وَالْمَفْقُودَ قَدْ يُوجَدُ فِي مَوْضِعٍ مَا.

سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا:

فَالْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ أَخُوك عِنْدَك مِثْلَ أَبِيك، وَهُوَ أَعْلَاهُمْ.

وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَخِيك الشَّقِيقِ، وَهُوَ أَوْسَطُهُمْ.

وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ عِنْدَك مِثْلَ عَبْدِك، وَهُوَ أَقَلُّ الْإِخْوَانِ مَرْتَبَةً فَإِنْ عَجَزْت عَنْ ذَلِكَ فَلَا أُخُوَّةَ إذْ ذَاكَ أَعْنِي الْأُخُوَّةَ الْخَاصَّةَ بِالْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ.

فَأَمَّا الْأَخُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَك مِثْلَ أَبِيك فَهُوَ حَالُ الْمُرِيدِ مَعَ شَيْخِهِ إذْ إنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ حَدِيثٌ فِي شَيْءٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَحَالُ الْمُرِيدِ مَعَ شَيْخِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى إذْ إنَّ الْمُرِيدَ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ، وَلَا اخْتِيَارٌ فِي كُلِّ مَا يُحَاوِلُهُ إلَّا بِرِضَا شَيْخِهِ وَإِذْنِهِ، وَأَمَّا الَّذِي عِنْدَك كَأَخِيك الشَّقِيقِ فَهُوَ حَالُ الْمُرِيدِ مَعَ إخْوَانِهِ، وَهُوَ أَقَلُّ رُتْبَةً مِنْ الْأَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>