للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَيَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ

[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّاحُونِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَصْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ الْقُوتُ الَّذِي بِهِ الْقَوَامُ لَكِنْ لَمَّا أَنْ كَانَ الْفَصْلُ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ أَكْثُرُهُ مُخْتَصًّا بِالْمَرْضَى قُدِّمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَرِيضِ آكَدُ وَضَرُورَتَهُ أَشَدُّ وَالْفَحْصُ عَمَّا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ فِي حَقِّهِ مُتَأَكِّدٌ وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَا مَعًا مُتَأَكِّدَيْنِ. فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الطَّاحُونِ أَنْ يُحْضِرَ نِيَّتَهُ وَيُحْسِنَهَا وَيُنَمِّيَهَا مَهْمَا اسْتَطَاعَ ثُمَّ يَنْوِيَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ تِلْكَ النِّيَّاتِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْعَالِمُ مِنْ بَيْتِهِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ لِيَكُونَ فِي سَبَبِهِ وَهُوَ فِي عِبَادَةٍ مُقْبِلًا عَلَى مَوْلَاهُ فَيَقْصِدُ بِمَا هُوَ فِيهِ أَنْ يُيَسِّرَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ أَقْوَاتَهُمْ لِكَوْنِهِ يَفْعَلُهَا عَلَى لِسَانِ الْعِلْمِ فَيَكْفِيهِمْ مُؤْنَةَ الْفِكْرِ فِيمَا هُمْ يَتَوَقَّعُونَهُ فِي الطَّحِينِ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ.

أَلَا تَرَى إلَى مَا نُقِلَ فِي الْقِدْرِ إذَا أَعَارَهَا الْإِنْسَانُ كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَا طُبِخَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ إذَا أَعْطَى مِنْهُ شَيْئًا كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَا طُيِّبَ بِذَلِكَ الْمِلْحِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَمَا بَالُك بِتَخْلِيصِ الْقُوتِ الَّذِي بِهِ قَوَامُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي تَعْتَرِيهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوَابَ فِي هَذَا أَعْظَمُ وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَا يُبَاشِرُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ إذَنْ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَالتَّطَوُّعِ بِهِمَا وَبَيْنَ سَبَبِهِ بَلْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ مَقْصُورَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ عَامٌّ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ إذْ إنَّهُ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ عَلَى عَمَلِ الطَّاحُونِ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ أَيْضًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَطْحَنَ بِيَدِهِ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ أَيْضًا يَقْدِرُ عَلَى شِرَاءِ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ يَطْحَنَانِ لَهُ وَصَاحِبُ الطَّاحُونِ قَدْ رَفَعَ هَذِهِ الْكُلْفَةَ عَنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَكُونُ تَطَلُّعُهُ وَتَشَوُّقُهُ لِلرِّزْقِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا إلَى السَّبَبِ فَإِنْ شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>