للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالسُّكَّرِ وَالْأَشْرِبَةِ فَكُلُّ مَرِيضٍ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ سُكَّرِهِ أَوْ مِنْ الشَّرَابِ الَّذِي عَمِلَهُ بِهِ لَهُ فِيهِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا لَوْ كَانَ فِي زَمَانِ كُلِّ مَنْ يُبَاشِرُ مَا ذُكِرَ يَتَحَفَّظُ فِيهِ وَيَفْعَلُ الْأَمْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ عَزَّ وُجُودُ هَذَا فَمَنْ فَعَلَهُ كَانَ مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ فَكَأَنَّمَا أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» فَقَدْ شَهِدَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمَعِيَّةِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ هَذَا وَهُوَ إنَّمَا أَحْيَا سُنَّةً وَاحِدَةً فَمَا بَالُك بِمَنْ أَحْيَا فَرَائِضَ عَدِيدَةً سِيَّمَا وَنَفْعُهَا مُتَعَدٍّ وَالْخَيْرُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ عَلَى الْمَرْءِ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يُعْدَمْ مِنْ النَّاسِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَإِنْ عُدِمَ فِي قَوْمٍ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي آخَرِينَ وَمَنْ سَأَلَ وَفَحَصَ عَمَّنْ يَشْتَرِي مِنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ مَنْ هُوَ مُتَحَفِّظٌ عَلَى دِينِهِ لَكِنْ قَدْ يُعَزُّ وُجُودُهُ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ السُّكَّرَ السَّالِمَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَوْجُودٌ وَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ فِي بَعْضِ بِلَادِ الصَّعِيدِ وَيُسَمَّى الْقِفْطِيَّ وَالثَّمَنُ مُتَقَارِبٌ، وَلَوْ غَلَا ثَمَنُهُ لَتَعَيَّنَ شِرَاؤُهُ لِمَنْ يُرِيدُهُ، وَلَوْ فُقِدَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِمَا يُعْمَلُ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ بَعْدَ أَنْ تَبْرُدَ حَرَارَتُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتَدِلَ وَلِأَجْلِ عَدَمِ النَّظَرِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي التَّحَفُّظَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالنَّظَرُ فِي خَلَاصِ الذِّمَّةِ قَلَّ أَنْ تَرَى مَنْ يَتَسَبَّبُ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إلَّا وَهُوَ يَشْكُو مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ قِلَّتِهَا أَوْ الْخَسَارَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْ يُعْدَمُ رَأْسُ الْمَالِ وَيُقَوَّمُ وَدُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ؛ كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ النَّظَرِ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ وَفِكَاكِهَا بِنُصْحِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ وَقَعَ النُّصْحُ وَزَادَ عَلَى نَفْسِهِ فِي النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَمَا تَقَدَّمَ لَجَاءَتْ الْبَرَكَاتُ تَتْرَى وَلَكَثُرَتْ الْخَيْرَاتُ لَدَيْهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: ٦٦] فَكُلُّ إنْسَانٍ يَرْجِعُ عَمَلُهُ إلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَيُرِيَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>