للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ صَدَقَ أَبْصَرَ، وَتَحَقَّقَ ذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ بِاَللَّهِ وَبِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَنَهَاهُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَلَأَتْ قَلْبَهُ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَاشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ فُضُولِ الدُّنْيَا مِنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَاللِّبَاسِ، وَالْبُنْيَانِ، وَالْمَرْكَبِ، وَالْأَزْوَاجِ، وَالْأَوْلَادِ، وَالْخَدَمِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ الزَّوْجَةُ، وَالْوَلَدُ، وَأَشْيَاءُ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ عَلَى الرَّغْبَةِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ فَهْمِ وَعْدِ الْقُرْآنِ، وَوَعِيدِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا وَصَلُوا إلَى مَا وَصَلُوا إلَيْهِ لَمْ يَغْتَرُّوا بِدَارِ الْغُرُورِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ رَغْبَةٌ إلَّا خَوْفَ فَوَاتِ مَا شَوَّقَ إلَيْهِ وَعْدُ الْقُرْآنِ وَوَعِيدُهُ مِنْ الْخُلُودِ فِي دَارِ النَّعِيمِ أَوْ دَارِ الْهَوَانِ {إنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} إنَّمَا دَعَا إلَى دَارِ السَّلَامِ - مَنْ خَلَقَهَا، وَزَيَّنَهَا، وَجَلَّاهَا: فَخُضْ أَيُّهَا الْمُرِيدُ الْغَمَرَاتِ شَوْقًا إلَى نَعِيمِهَا، وَأَجِبْ الدَّاعِيَ الصَّادِقَ الْوَفِيَّ إلَى مَا وَعَدَ، وَدَعَاك إلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَذَّرَك نَفْسَك، وَهَوَاك، وَأَنْذَرَك حُلُولَ دَارِ سَخَطِهِ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْوُصُولُ إلَى نَعِيمِ دَارِ الْخُلُودِ رَفْضُ الْمَحْبُوبِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى فَارْفُضْهُ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ ضَجِيعَك، وَالزُّهْدَ قَرِينَك، وَالْجِدَّ سِلَاحَك، وَالصِّدْقَ مَرْكَبَك، وَالْإِخْلَاصَ زَادَك، وَالْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ عَلَى مُقَدِّمَتِكَ، وَالشَّوْقَ إلَى الْجَنَّةِ صَاحِبَ لِوَائِك، وَالْمَعْرِفَةَ عَلَى مَيْمَنَتِك، وَالْيَقِينَ عَلَى مَيْسَرَتِك، وَالثِّقَةَ عَلَى سَاقَتِك، وَالصَّبْرَ أَمِيرَ جُنْدِكَ، وَالرِّضَا، وَزِيرَك، وَالْعِلْمَ مُشِيرَك، وَالتَّوَكُّلَ دِرْعَك، وَالشُّكْرَ خَلِيلَك ثُمَّ انْفِرْ إلَى عَدُوِّك، وَصَافِقْهُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْت لَك، وَطِبْ نَفْسًا عَنْ دَارِ الْهُمُومِ، وَالْأَحْزَانِ إلَى دَارِ الْبَقَاءِ، وَالسُّرُورِ مَعَ الْخَيِّرَاتِ الْحِسَانِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

ثُمَّ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلْيَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ مَنْ نَظَرَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِأَمَلٍ رَجَاءَ مَنْفَعَتِهِ كَانَ عُزُوبًا لِقَلْبِهِ عَنْ اللَّهِ، وَكَانَ مَنْقُوصًا عَنْ مَنْزِلَةِ الْوَاثِقِينَ الْمُؤَيَّدِينَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ، وَجَلَّ لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {: يَا دَاوُد إنِّي قَدْ آلَيْتَ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أُثِيبَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>