مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ جَعَلَ الْفُلْفُلَ الَّذِي يُرِيدُونَ بَيْعَهُ فِي مَوْضِعٍ نَدِيٍّ]
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْفُلْفُلَ الَّذِي يُرِيدُونَ بَيْعَهُ فِي مَوْضِعٍ نَدِيٍّ لِيَثْقُلَ بِذَلِكَ فِي الْوَزْنِ.
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْبَضَائِعِ الَّتِي تَقْبَلُ النَّدَاوَةَ لِتَزِيدَ فِي الْوَزْنِ وَهَذَا مِنْ الْغِشِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ بَلْ لَوْ نَدَّى وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ عِنْدَ بَيْعِهِ وَإِنْ خَفَّ وَرَجَعَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْيُبْسِ فَمَا بَالُك بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ هُوَ بِهِ، وَهَذَا وَمَا شَابَهَهُ مُذْهِبٌ لِلْبَرَكَةِ مُمْحِقٌ لِلْمَالِ مُدْخِلٌ لِصَاحِبِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» .
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا لَهُ صَمْغٌ كَالْعِلْكِ وَاللِّبَانِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَيَبْقَى كَالْحِجَارَةِ لِتَصَمُّغِهِ بِالْبَلَلِ فَيَكْسِرُونَهَا وَيَخْلِطُونَ مَعَهَا السَّالِمَ مِنْ الْبَلَلِ وَيَبِيعُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُبَيِّنُونَ مَا أَصَابَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ أَيْضًا إذْ إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَشْتَرِهِ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَتَرْكُهُ غِشٌّ وَهُوَ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا يَبِسَ عِنْدَهُ التَّمْرُ الْهِنْدِيُّ عَجَنَهُ بِالْقُطَارَةِ حَتَّى يَبْقَى كَأَنَّهُ طَرِيٌّ وَهَذَا غِشٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ مُلْتَحِقٌ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
[فَصْلٌ جَمَعَ مَعَ الْكِرَاءِ مَا يُلْزِمُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ]
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا اكْتَرَى عَلَى حَمْلِ مَتَاعِهِ فِي الْمَرْكَبِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ يَفْعَلُ مَعَ ذَلِكَ فِعْلًا لَا يَسُوغُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجْمَعُ مَعَ الْكِرَاءِ مَا يُلْزِمُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ فِي طَرِيقِهِ وَذَلِكَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ وَالْجَهَالَةُ هَاهُنَا مَقْطُوعٌ بِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ فِي شِرَاءِ التَّوْقِيعِ الَّذِي بِيَدِ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute