يَعْتَبِرُ إذْ ذَاكَ وَيَأْخُذُ نَفْسَهُ فِي الْأَدَبِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: الْهَرَبُ مِنْ خِلْطَةِ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْخِلْطَةِ لِغَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا صَارَ الطَّعَامُ فِي جَوْفِهِ هُوَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ إذَا خَالَطَهُ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي دِينِهِ أَوْ يَنْفَعُهُ هُوَ فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسَبَبِ خِلْطَتِهِ كَمَا يَتَغَيَّرُ كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا ذُكِرَ، إذْ أَنَّ ذَلِكَ فِي طَبْعِهِ وَمِزَاجِهِ أَعْنِي التَّغْيِيرَ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك، وَهَذَانِ وَجْهَانِ عَظِيمَانِ فِي السُّلُوكِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَعَ الْفَوَائِدِ الْمَاضِيَةِ كُلِّهَا فَهَذِهِ جُمْلَةُ عِبَادَاتٍ كَثِيرَةٍ وَهِيَ عِنْدَنَا عَلَى طَرِيقِ الرَّاحَةِ وَالْإِبَاحَةِ شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ لَنَا مِنْ النِّيَّاتِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ، وَهَذِهِ الْآدَابُ مِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بِالْحَضَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بَيِّنٌ لَا يَحْتَاجُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَعْنِي مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]
ِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِزَالَةِ الْحَقْنَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَرَّ يَحْتَاجُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَيُفَرِّغُ قَلْبَهُ وَذِهْنَهُ لِذَلِكَ وَيَنْشَطُ إلَيْهِ وَيَمُرُّ بِبَالِهِ الطَّهَارَةُ لِمَاذَا وَلِأَيِّ شَيْءٍ تُرَادُ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقِفَ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِبَاطِنِهِ وَمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْهُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَيَنْظُرُ إلَى حِكْمَةِ الشَّرْعِ فِي غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَعْلُومَةِ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مَا يَتَحَرَّكُ لِلْمُخَالَفَةِ أَسْرَعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَأَمَرَ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ أَوَّلًا بِغَسْلِهَا تَنْبِيهًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى طَهَارَتِهَا الْبَاطِنَةِ «إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ» {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: ١٤٧] .
فَالْمَطْلُوبُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْبَاطِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute